فصل: كِتَابُ السَّبْقِ وَالنِّضَال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


كِتَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ

باب فِيمَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاصْلُحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اقْتِتَالَ الطَّائِفَتَيْنِ وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ الْجَمَاعَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ أَوْ أَضْعَفَ إذَا لَزِمَهَا اسْمُ الِامْتِنَاعِ وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَ بِالْإِصْلاَحِ بَيْنَهُمْ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا افْتَرَقُوا وَأَرَادُوا الْقِتَالَ أَنْ لاَ يُقَاتِلُوا حَتَّى يَدْعُوا إلَى الصُّلْحِ وَبِذَلِكَ قُلْت لاَ يَبِيتُ أَهْلُ الْبَغْيِ قَبْلَ دُعَائِهِمْ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ الدُّعَاءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ الْقِتَالِ وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَذِنَ فِي قِتَالِهَا فِي مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ بِالْبَغْيِ إلَى أَنْ تَفِيءَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْفَيْءُ الرَّجْعَةُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بِهَا الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءَ وَالْفَيْءُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ الرُّجُوعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ إلَى طَاعَتِهِ فِي الْكَفِّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ يُعَيِّرُ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْهَزَمُوا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ فِي وَقْعَةٍ فَقُتِلَ‏:‏ لاَ يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا يَوْمَ الْأُمَيْلِحِ لاَ غَابُوا وَلاَ جُرِحُوا عَقُّوا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ ثُمَّ اسْتَفَاءُوا وَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ فَاءُوا أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ تِبَاعَةً فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصُّلْحَ آخِرًا كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلاَحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلاً قَبْلَ الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ فَأَشْبَهَ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ التِّبَاعَاتُ فِي الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ وَمَا فَاتَ مِنْ الْأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ قَالَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ فَاءَتْ فَأُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ‏}‏ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ إذَا كَانُوا قَدْ فَعَلُوا مَا فِيهِ حُكْمٌ فَيُعْطِي بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا وَجَبَ لَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏بِالْعَدْلِ‏}‏ أَخَذَ الْحَقَّ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ الْقَوَدَ سَاقِطٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَدْرَكَتْ الْفِتْنَةَ الْأُولَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ فِيهَا دِمَاءٌ وَأَمْوَالٌ فَلَمْ يُقْتَصَّ فِيهَا مِنْ دَمٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ قُرْحٍ أُصِيبَ بِوَجْهِ التَّأْوِيلِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ عِنْدَنَا قَدْ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَأُتْلِفَتْ فِيهَا أَمْوَالٌ ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إلَى أَنْ سَكَنَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَلِمْته اقْتَصَّ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ وَلاَ غَرِمَ لَهُ مَالاً أَتْلَفَهُ وَلاَ عَلِمْتُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي أَنْ مَا حَوَوْا فِي الْبَغْيِ مِنْ مَالٍ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مِنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَمْنَعَ مَالَهُ وَإِذَا مَنَعَهُ بِالْقِتَالِ دُونَهُ فَهُوَ إحْلاَلٌ لِلْقِتَالِ وَالْقِتَالُ سَبَبُ الْإِتْلاَفِ لِمَنْ يُقَاتِلُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا قَالَ وَلاَ يَحْتَمِلُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُ وَلَوْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى أَنْ يَحْمِلَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ وَيُؤْخَذَ مَالُهُ كَانَ اللَّفْظُ فِي الْحَدِيثِ مَنْ قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ أَوْ قُتِلَ لِيُؤْخَذَ مَالُهُ وَلاَ يُقَالُ لَهُ، قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَمَنْ قُتِلَ بِلاَ أَنْ يُقَاتِلَ فَلاَ يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ شَهِيدٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَانِ، مِنْهُمْ قَوْمٌ أُغْرُوا بَعْدَ الْإِسْلاَمِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلاَمِ وَمَنَعُوا الصَّدَقَاتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لَهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَهُوَ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ فَالرِّدَّةُ الِارْتِدَادُ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَالِارْتِدَادُ يَمْنَعُ الْحَقَّ قَالَ وَمَنْ رَجَعَ عَنْ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُقَالَ ارْتَدَّ عَنْ كَذَا وَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا مِنْ حَقِّهَا لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا مَعًا بِأَنَّ مِمَّنْ قَاتَلُوا مَنْ هُوَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْإِيمَانِ وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا شَكَّ عُمَرُ فِي قِتَالِهِمْ وَلَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَرَكُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَصَارُوا مُشْرِكِينَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ جُيُوشَ أَبِي بَكْرٍ وَأَشْعَارِ مَنْ قَالَ الشِّعْرَ مِنْهُمْ وَمُخَاطَبَتِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ‏:‏ أَلاَ أَصْبَحْنَا قَبْلَ نَائِرَةِ الْفَجْرِ لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وَمَا نَدْرِي أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ وَسَطَنَا فَيَا عَجَبًا مَا بَالُ مِلْكِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ الَّذِي يسألكمو فَمَنَعْتُمْ لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى إلَيْهِمْ مِنْ التَّمْرِ سَنَمْنَعُهُمْ مَا كَانَ فِينَا بَقِيَّةٌ كِرَامٌ عَلَى الْعَزَاءِ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ مَا كَفَرْنَا بَعْدَ إيمَانِنَا وَلَكِنْ شَحِحْنَا عَلَى أَمْوَالِنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لاَ تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ يَعْنِي فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ مُجَاهِدُهُمْ عَلَى الصَّلاَةِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهَا وَلَعَلَّ مَذْهَبَهُ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِمْ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَالصَّلاَةَ وَالزَّكَاةَ وَأَنَّهُ مَتَى مَنَعَ فَرْضًا قَدْ لَزِمَهُ لَمْ يُتْرَكْ وَمَنْعَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ أَوْ يُقْتَلَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَسَارَ إلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقِيَ أَخَا بَنِي بَدْرٍ الْفَزَارِيّ فَقَاتَلَهُ مَعَهُ عُمَرُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَمْضَى أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي قِتَالِ مَنْ ارْتَدَّ وَمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ مَعًا فَقَاتَلَهُمْ بِعَوَامَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَفِي هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنْ مَنْ مَنَعَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِامْتِنَاعِهِ قَاتَلَهُ وَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى كُلُّ حَقٍّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَنَعَهُ قَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ رَجُلٌ مِنْ تَأْدِيَةِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَالسُّلْطَانُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ أَخَذَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَ فَيَقْتُلَهُ أَوْ يَسْرِقَ فَيَقْطَعَهُ أَوْ يَمْنَعَ أَدَاءَ دَيْنٍ فَيُبَاعَ فِيهِ مَالُهُ أَوْ زَكَاةٍ فَتُؤْخَذَ مِنْهُ فَإِنْ امْتَنَعَ دُونَ هَذَا أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ بِجَمَاعَةٍ وَكَانَ إذَا قِيلَ لَهُ أَدِّ هَذَا قَالَ لاَ أُؤَدِّيه وَلاَ أَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ إلَّا أَنْ تُقَاتِلُونِي قُوتِلَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُقَاتِلُ عَلَى مَا مَنَعَ مِنْ حَقٍّ لَزِمَهُ وَهَكَذَا مَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ مِمَّنْ نُسِبَ إلَى الرِّدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَانِعُ الصَّدَقَةِ مُمْتَنِعٌ بِحَقٍّ نَاصِبٍ دُونَهُ فَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِهِ فَالْبَاغِي يُقَاتِلُ الْإِمَامَ الْعَادِلَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَنَّهُ لاَ يُعْطِي الْإِمَامَ الْعَادِلَ حَقًّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ حُكْمِهِ وَيَزِيدُ عَلَى مَانِعِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَحْكُمَ هُوَ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَيُقَاتِلَهُ فَيَحِلَّ قِتَالُهُ بِإِرَادَتِهِ قِتَالَهُ الْإِمَامَ قَالَ وَقَدْ قَاتَلَ أَهْلُ الِامْتِنَاعِ بِالصَّدَقَةِ وَقُتِلُوا ثُمَّ قُهِرُوا فَلَمْ يُقِدْ مِنْهُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِلاَ هَذَيْنِ مُتَأَوِّلٌ أَمَّا أَهْلُ الِامْتِنَاعِ فَقَالُوا قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى رَسُولِهِ كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ» وَقَالُوا لاَ نَعْلَمُهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ فَشَهِدُوا عَلَى مَنْ بَغَوْا عَلَيْهِ بِالضَّلاَلِ وَرَأَوْا أَنَّ جِهَادَهُ حَقٌّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ قِصَاصٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً وَاحِدًا قُتِلَ عَلَى التَّأْوِيلِ أَوْ جَمَاعَةً غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ ثُمَّ كَانَتْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ لَمْ تَكُنْ كَانَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَقَالَ لِي قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت فِي الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ الْغَاصِبَةِ الْمُتَأَوِّلَةِ تَقْتُلُ وَتُصِيبُ الْمَالَ أُزِيلُ عَنْهَا الْقِصَاصِ وَغُرْمَ الْمَالَ إذَا تَلِفَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً تَأَوَّلَ فَقَتَلَ أَوْ أَتْلَفَ مَالاً اقْتَصَصْت مِنْهُ وَأَغْرَمْته الْمَالَ‏؟‏ فَقُلْت لَهُ وَجَدْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏}‏ «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُحِلُّ دَمَ مُسْلِمٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مِنْ اعْتَبَطَ مُسْلِمًا بِقَتْلٍ فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ» وَوَجَدْت اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏}‏ فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قِتَالَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فَأَثْبَتْنَا الْقِصَاصَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقِصَاصِ وَأَزَلْنَاهُ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ الْمُمْتَغِينَ وَرَأَيْنَا أَنَّ الْمَعْنَى بِالْقِصَاصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ مَنْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا مُتَأَوِّلاً فَأَمْضَيْنَا الْحُكْمَيْنِ عَلَى مَا أَمْضَيَا عَلَيْهِ وَقُلْت لَهُ‏:‏ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَلِيَ قِتَالَ الْمُتَأَوِّلِينَ فَلَمْ يَقْصُصْ مِنْ دَمٍ وَلاَ مَالٍ أُصِيبَ فِي التَّأْوِيلِ وَقَتَلَهُ ابْنُ مُلْجِمٍ مُتَأَوِّلاً فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ وَقَالَ لِوَلَدِهِ إنْ قَتَلْتُمْ فَلاَ تُمَثِّلُوا وَرَأَى لَهُ الْقَتْلَ وَقَتَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنهما وَفِي النَّاسِ بَقِيَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ قَتْلَهُ وَلاَ عَابَهُ وَلاَ خَالَفَهُ فِي أَنْ يُقْتَلَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَمَاعَةٌ يَمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا وَلَمْ يُقِدْ عَلِيٌّ وَأَبُو بَكْرٍ قَبْلَهُ وَلِيَّ مَنْ قَتَلَتْهُ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا وَصَفْنَا وَلاَ عَلَى الْكُفْرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ فِي حَالٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ وَلاَ شَيْءٍ مِنْهَا، وَأَمَّا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَمَنْ قَتَلَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَسَوَاءٌ جَمَاعَةً كَانُوا أَوْ وُحْدَانًا يَقْتُلُونَ حَدًّا وَبِالْقِصَاصِ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَتَلَةِ وَفِي الْمُحَارَبِينَ‏.‏

باب السِّيرَةِ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله تعالى عنهما قَالَ دَخَلْت عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْرَمَ غَلَبَةً مِنْ أَبِيك مَا هُوَ إلَّا أَنْ وَلِيَنَا يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَادَى مُنَادِيهِ لاَ يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلاَ يَذْفِفْ عَلَى جَرِيحٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِلدَّرَاوَرْدِيِّ فَقَالَ مَا أَحْفَظُهُ يُرِيدُ يَعْجَبُ بِحِفْظِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جَعْفَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ‏.‏ قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه كَانَ لاَ يَأْخُذُ سَلَبًا وَأَنَّهُ كَانَ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ كَانَ لاَ يَذْفِفْ عَلَى جَرِيحٍ وَلاَ يَقْتُلُ مُدْبِرًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه قَالَ فِي ابْنُ مُلْجِمٍ بَعْدَ مَا ضَرَبَهُ أَطْعِمُوهُ وَاسْقُوهُ وَأَحْسِنُوا إسَارَهُ إنْ عِشْت فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي أَعْفُو إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت اسْتَقَدْت وَإِنْ مِتُّ فَقَتَلْتُمُوهُ فَلاَ تُمَثِّلُوا‏.‏

باب الْحَالِ الَّتِي لاَ يَحِلُّ فِيهَا دِمَاءُ أَهْلِ الْبَغْيِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَتَجَنَّبُوا جَمَاعَاتِ النَّاسِ وَكَفَّرُوهُمْ لَمْ يَحْلِلْ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ عَلَى حُرْمَةِ الْإِيمَانِ لَمْ يَصِيرُوا إلَى الْحَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِهِمْ فِيهَا بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إذْ سَمِعَ تَحْكِيمًا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ لاَ حَكَمَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلاَثٌ لاَ نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ وَلاَ نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا وَلاَ نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَدِيًّا كَتَبَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْخَوَارِجَ عِنْدَنَا يَسُبُّونَك فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنْ سَبُّونِي فَسُبُّوهُمْ أَوْ اُعْفُوَا عَنْهُمْ وَإِنْ أَشْهَرُوا السِّلاَحَ فَأَشْهِرُوا عَلَيْهِمْ وَإِنْ ضَرَبُوا فَاضْرِبُوهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ بِطَعْنِهِمْ دِمَاؤُهُمْ وَلاَ أَنْ يُمْنَعُوا الْفَيْءَ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ وَكَانُوا أُسْوَتَهُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَلاَ يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ قَالَ وَلَوْ شَهِدُوا شَهَادَةَ الْحَقِّ وَهُمْ مُظْهِرُونَ لِهَذَا قَبْلَ الِاعْتِقَادِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَتْ حَالُهُمْ فِي الْعَفَافِ وَالْعُقُولُ حَسَنَةٌ الْبَغْيُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحْصِيَهُمْ بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِمَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ عَلَى مَا لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُعَايِنُوا أَوْ يَسْتَحِلُّوا أَنْ يَنَالُوا مِنْ أَمْوَالِ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ أَبْدَانِهِمْ شَيْئًا يَجْعَلُونَ الشَّهَادَةَ بِالْبَاطِلِ ذَرِيعَةً إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا لاَ يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَهَكَذَا مَنْ بَغَى مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَجِبُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ أَخْذِ الْحَقَّ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَلَوْ أَصَابُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ حَدًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ لِلنَّاسِ دَمًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ اعْتَقَدُوا وَنَصَبُوا إمَامًا وَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوا أَنْ يُؤْمِنُوا عَلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ مَا أَصَابُوا قَبْلَ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَلاَ لِلنَّاسِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَخْذُهُمْ بِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَخْذُ مَنْ أَحْدَثَ حَدًّا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ ثُمَّ هَرَبَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ وَيَمْتَنِعُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا فِي مِصْرٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ كَانَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَسَوَاءٌ الْمُكَابَرَةُ فِي الْمِصْرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ وَلَوْ افْتَرَقَا كَانَتْ الْمُكَابَرَةُ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمَهُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَابَرُوا فَقَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالاً أُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَقُّ فِي جَمِيعِ مَا أَخَذُوا وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعُوا فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالاً عَلَى غَيْرِ التَّأْوِيلِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَخَذَ مِنْهُمْ الْحَقَّ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَكُلِّ مَا أَتَوْا مِنْ حَدٍّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مُتَأَوِّلِينَ كَثِيرًا كَانُوا أَوْ قَلِيلاً اعْتَزَلُوا جَمَاعَةَ النَّاسِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ وَالٍ لِأَهْلِ الْعَدْلِ يُجْرِي حُكْمَهُ فَقَتَلُوهُ وَغَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَعْتَقِدُوا وَيُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه وَنَقَمُوا عَلَيْهِ الْحُكُومَةَ فَقَالُوا لاَ نُسَاكِنُك فِي بَلَدٍ فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَامِلاً فَسَمِعُوا لَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ ادْفَعُوا إلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلْهُ بِهِ قَالُوا‏:‏ كُلُّنَا قَاتِلُهُ قَالَ فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمُ عَلَيْكُمْ قَالُوا لاَ فَسَارَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ قَالَ وَكُلُّ مَا أَصَابُوهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ حَتَّى يَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ وَيَنْتَصِبُوا قَالَ وَهَكَذَا لَوْ خَرَجَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ أَوْ نَفَرٌ يَسِيرٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لاَ يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدَ فَأَظْهَرُوا رَأْيَهُمْ وَنَابَذُوا إمَامَهُمْ الْعَادِلَ وَقَالُوا نَمْتَنِعُ مِنْ الْحُكْمِ فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالاً وَحُدُودًا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ مِنْهُمْ الْحُقُوقُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلنَّاسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَإِنْ كَانَتْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ جَمَاعَةٌ تَكْثُرُ وَيَمْتَنِعُ مِثْلُهَا بِمَوْضِعِهَا الَّذِي هِيَ بِهِ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَهَا لاَ يُنَالُ حَتَّى تَكْثُرَ نِكَايَتُهُ وَاعْتَقَدَتْ وَنَصَبُوا إمَامًا وَأَظْهَرُوا حُكْمًا وَامْتَنَعُوا مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَهَذِهِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الَّتِي تُفَارِقُ حُكْمَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَهَا فَيَنْبَغِي إذَا فَعَلُوا هَذَا أَنْ نَسْأَلَهُمْ مَا نَقَمُوا فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا بَيِّنَةً قِيلَ لَهُمْ عُودُوا لِمَا فَارَقْتُمْ مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَتُكُمْ وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لاَ تَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ فَإِنْ فَعَلُوا قُبِلَ مِنْهُمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا قِيلَ إنَّا مُؤْذِنُوكُمْ بِحَرْبٍ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا قُوتِلُوا وَلاَ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُدْعَوْا وَيُنَاظَرُوا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْمُنَاظَرَةِ فَيُقَاتَلُوا قَالَ وَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْإِجَابَةِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمٍ فَلَمْ يُسَلِّمُوا أَوْ حَلَّتْ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فَمَنَعُوهَا وَحَالُوا دُونَهَا وَقَالُوا لاَ نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ قُوتِلُوا حَتَّى يُقِرُّوا بِالْحُكْمِ وَيَعُودُوا لِمَا امْتَنَعُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَمَا أَصَابُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا مَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَفَرْجٍ عَلَى التَّأْوِيلِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا أَصَابُوا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّأْوِيلِ مِنْ حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَأَيْت أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُقَامُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هَرَبَ مِنْ حَدٍّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ فِي بِلاَدٍ لاَ وَالِيَ لَهَا ثُمَّ جَاءَ لَهَا وَالٍ وَهَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارٍ غَلَبُوا الْإِمَامَ عَلَيْهَا فَصَارَ لاَ يَجْرِي لَهُ بِهَا حُكْمٌ فَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُدُودُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ مَا أَصَابُوا بِالِامْتِنَاعِ وَلاَ يَمْنَعُ الِامْتِنَاعُ حَقًّا يُقَامُ إنَّمَا يَمْنَعُهُ التَّأْوِيلُ وَالِامْتِنَاعُ مَعًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَنْتَ تُسْقِطُ مَا أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا فَكَذَلِكَ أُسْقِطَ عَنْ حَرْبِيٍّ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَقْتُلُ الْحَرْبِيَّ بَدِيئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَأَوِّلِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَإِذَا دُعِيَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَامْتَنَعُوا مِنْ الْإِجَابَةِ فَقُوتِلُوا فَالسِّيرَةُ فِيهِمْ مُخَالِفَةٌ لِلسِّيرَةِ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ ثُمَّ رَسُولَهُ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ وَهُمْ لاَ يَكُونُونَ مُقَاتِلِينَ أَبَدًا إلَّا مُقْبِلِينَ مُمْتَنِعِينَ مَرِيدِينَ فَمَتَى زَايَلُوا هَذِهِ الْمَعَانِي فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ الْحَالِ الَّتِي أُبِيحَ بِهَا قِتَالُهُمْ وَهُمْ لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا إلَّا إلَى أَنْ تَكُونَ دِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةً كَهِيَ قَبْلُ يُحْدِثُونَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْفَيْئَةِ فَسَوَاءٌ كَانَ لِلَّذِي فَاءَ فِئَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ فَمَتَى فَاءَ وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ حُرِّمَ دَمُهُ وَلاَ يُقْتَلُ مِنْهُمْ مُدْبِرٌ أَبَدًا وَلاَ أَسِيرٌ وَلاَ جَرِيحٌ بِحَالٍ لِأَنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ صَارُوا فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي حَلَّتْ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَلِكَ لاَ يُسْتَمْتَعُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِدَابَّةٍ تُرْكَبُ وَلاَ مَتَاعٍ وَلاَ سِلاَحٍ يُقَاتَلُ بِهِ فِي حَرْبِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلاَ بَعْدَ تَقَضِّيهَا وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمَا صَارَ إلَيْهِمْ مِنْ دَابَّةٍ فَحَبَسُوهَا أَوْ سِلاَحٍ فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ فِي الْقِتَالِ إنَّمَا تَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يَتَخَوَّلُونَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ فَحُدَّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالزِّنَا وَالْقَتْلِ فَهُوَ لاَ يُؤْخَذُ مَالُهُ فَهُوَ إذَا قُوتِلَ فِي الْبَغْيِ كَانَ أَخَفَّ حَالاً لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَنْ الْقِتَالِ لَمْ يُقْتَلْ فَلاَ يُسْتَمْتَعُ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لاَ جِنَايَةَ عَلَى مَالِهِ بِدَلاَلَةٍ تُوجِبُ فِي مَالِهِ شَيْئًا قَالَ وَمَتَى أَلْقَى أَهْلُ الْبَغْيِ السِّلاَحَ لَمْ يُقَاتَلُوا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْغُلاَمُ الْمُرَاهِقُ فَهُمْ مِثْلُهُمْ يُقَاتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ قَالَ وَيَخْتَلِفُونَ فِي الْأُسَارَى فَلَوْ أُسِرَ الْبَالِغُ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَحُبِسَ لِيُبَايِعَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ وَلاَ يُحْبَسَ مَمْلُوكٌ وَلاَ غَيْرُ بَالِغٍ مِنْ الْأَحْرَارِ وَلاَ امْرَأَةٌ لِتُبَايِعَ وَإِنَّمَا يُبَايِعُ النِّسَاءُ عَلَى الْإِسْلاَمِ فَأَمَّا عَلَى الطَّاعَةِ فَهُنَّ لاَ جِهَادَ عَلَيْهِنَّ وَكَيْفَ يُبَايِعْنَ وَالْبَيْعَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمَوْلُودِينَ فِي الْإِسْلاَمِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَلاَ أَرَى أَنْ يُحْبَسَ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَنْظِرُونَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُنْظَرُوا قَالَ وَلَوْ قَالُوا أَنْظِرُونَا مُدَّةً رَأَيْت أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو فَيْئَتَهُمْ أَحْبَبْت الِاسْتِينَاءُ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جِهَادَهُمْ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى الْفِئَةِ الْعَادِلَةِ الضَّعْفَ عَنْهُمْ رَجَوْتُ تَأْخِيرَهُمْ إلَى أَنْ يَرْجِعُوا أَوْ تُمْكِنُهُ الْقُوَّةُ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا بِجُعْلٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مُسْلِمٍ جَعْلٌ عَلَى تَرْكِ حَقٍّ قَبِلَهُ وَلاَ يَتْرُكُ جِهَادَهُ لِيَرْجِعَ إلَى حَقٍّ مَنَعَهُ أَوْ عَنْ بَاطِلٍ رَكِبَهُ وَالْأَخْذُ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَعْنَى الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ وَالصَّغَارُ لاَ يَجْرِي عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا أَبَدًا مُمْتَنِعِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ إذَا قَوِيَ عَلَى قِتَالِهِمْ وَإِذَا تَحَصَّنُوا فَقَدْ قِيلَ يُقَاتَلُونَ بِالْمَجَانِيقِ وَالنِّيرَانِ وَغَيْرِهَا وَيَبِيتُونَ إنْ شَاءَ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأَنَا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ فِيهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْإِمَامِ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مُتَحَصِّنًا فَيَغْزُونَهُ أَوْ يُحَرِّقُونَ عَلَيْهِ أَوْ يَرْمُونَهُ بِمَجَانِيقَ أَوْ عَرَّادَاتٍ أَوْ يُحِيطُونَ بِهِ فَيَخَافُ الِاصْطِلاَمَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا أَوْ بَعْضُهُ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ رَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مُعَاقَبَةً بِمِثْلِ مَا فَعَلَ بِهِ قَالَ وَلاَ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدِي أَنْ يَسْتَعِينُوا عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ذِمِّيٍّ وَلاَ حَرْبِيٍّ وَلَوْ كَانَ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ، وَلاَ أَجْعَلُ لِمَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الذَّرِيعَةَ إلَى قَتْلِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ قَالَ وَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَنِيَامًا وَكَيْفَمَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ إذَا بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَأَهْلُ الْبَغْيِ إنَّمَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لَهُمْ عَمَّا أَرَادُوا مِنْ قِتَالٍ أَوْ امْتِنَاعٍ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا فَارَقُوا تِلْكَ الْحَالَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ قَالَ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَيْضًا بِأَحَدٍ يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَجَرْحَى وَأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِخِلاَفِ الْحَقِّ وَهَكَذَا مَنْ وَلِيَ شَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ لاَ يُوَلَّاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِخِلاَفِ الْحَقِّ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ مَا وَصَفْت يُضْبَطُونَ بِقُوَّةِ الْإِمَامِ وَكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ حَتَّى لاَ يَتَقَدَّمُوا عَلَى خِلاَفِهِ وَإِنْ رَأَوْهُ حَقًّا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي كِفَايَتَهُمْ وَكَانُوا أَجْزَأَ فِي قِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَنَصَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَسَأَلَتْ الطَّائِفَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ مَعُونَتَهَا عَلَى الطَّائِفَةِ الْمُفَارِقَةِ لَهَا بِلاَ رُجُوعٍ إلَى جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَكَانَتْ بِالْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ قُوَّةٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ أَرَ أَنْ يُعِينَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ قِتَالَ إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْجَبَ مِنْ قِتَالِ الْأُخْرَى وَأَنَّ قِتَالَهُ مَعَ إحْدَاهُمَا كَالْأَمَانِ لِلَّتِي تُقَاتِلُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَضْعُفُ فَذَلِكَ أَسْهَلُ فِي أَنْ يَجُوزَ مُعَاوَنَةُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنْ انْقَضَى حَرْبُ الْإِمَامِ الْأُخْرَى لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَادُ الَّتِي أَعَانَ حَتَّى يَدْعُوَهَا وَيُعْذِرَ إلَيْهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الرُّجُوعِ نَبَذَ إلَيْهَا ثُمَّ جَاهَدَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي شُغْلِ الْحَرْبِ وَعَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَالَ‏:‏ أَخْطَأْت بِهِ ظَنَنْته مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أُحْلِفَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَلَوْ قَالَ عَمَدْته أُقِيدُ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا مُجَاهِدًا أَهْلَ الْبَغْيِ أَوْ تَارِكًا لِلْحَرْبِ وَإِنْ لَمْ يُجَاهِدْ أَهْلَ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ قَدْ عَرَفْته بِالْبَغْيِ وَكُنْت أَرَاهُ إنَّمَا صَارَ إلَيْنَا لِيَنَالَ مِنْ بَعْضِنَا غِرَّةً فَقَتَلْته أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ هَذِهِ الشُّبْهَةَ أُقِيدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ رَجَعَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ عَنْ رَأْيِهِمْ وَأَمَّنَهُمْ السُّلْطَانُ فَقَتَلَ رَجُلاً مِنْهُمْ رَجُلٌ فَادَّعَى مَعْرِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَجَهَالَتُهُ بِأَمَانِ السُّلْطَانِ لَهُمْ وَرُجُوعُهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَوَدُ وَأُلْزِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ مَا يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَامِدًا أَقِيدَ بِمَا نَالَ مِنْ دَمٍ وَجُرْحٍ يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِيمَا لاَ يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ الْجِرَاحِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ تُجَّارًا فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ أَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِيهِمْ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ غَيْرُ دَاخِلٍ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِرَأْيٍ وَلاَ مَعُونَةٍ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ أَتَى حَدًّا لِلَّهِ أَوْ لِلنَّاسِ عَارِفًا بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى إقَامَتِهِ عَلَيْهِ أُقِيم عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ فَأَتَوْا ذَلِكَ عَالَمِينَ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَغَيْرَ مُكْرَهِينَ عَلَى إتْيَانِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِلنَّاسِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَلَصَّصُوا فَكَانُوا بِطَرَفٍ مُمْتَنِعِينَ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمٌ أَوْ لاَ يَتَلَصَّصُونَ وَلاَ مُتَأَوِّلِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لاَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا مِمَّنْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالْعِلْمِ مَعَ الْإِسْلاَمِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُقُوقُ‏.‏

حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامَ إمَامُهُمْ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا لِلَّهِ أَوْ لِلنَّاسِ فَأَصَابَ فِي إقَامَتِهِ أَوْ أَخَذَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَوْفَى مَا عَلَيْهِمْ أَوْ زَادَهُ مَعَ أَخْذِهِ مَا عَلَيْهِمْ مَا لَيْسَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَعُودُوا عَلَى مَنْ حَدَّهُ إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِحَدٍّ وَلاَ عَلَى مَنْ أَخَذُوا صَدَقَتَهُ بِصَدَقَةٍ عَامَّةٍ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فَأَخَذُوا بَعْضَهَا اسْتَوْفَى إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَحَسَبَ لَهُمْ مَا أَخَذَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْهَا‏:‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ فَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ وَإِنْ أَرَادَ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَادَّعَوْا أَنَّ إمَامَ أَهْلِ الْبَغْيِ أَخَذَهَا مِنْهُمْ فَهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ وَإِنْ ارْتَابَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَحْلَفَهُ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ تُعَدَّ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَكَذَلِكَ مَا أَخَذُوا مِنْ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَجِزْيَةِ الرِّقَابِ لَمْ يُعَدَّ عَلَى مَنْ أَخَذُوهُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ظَاهِرُ حُكْمِهِمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذُوا ذَلِكَ فِيهِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ خَرَاجٍ وَجِزْيَةِ رَقَبَةٍ وَحَقٍّ لَزِمَ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ اسْتَقْضَى إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلاً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ بِمَا يُقَوِّمُ بِهِ الْقَاضِي مِنْ أَخْذِ الْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ‏:‏ وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَرْدُدْ مِنْ قَضَاءِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا مَا يُرَدُّ مِنْ قَضَاءِ الْقُضَاةِ غَيْرُهُ‏.‏

وَذَلِكَ خِلاَفُ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ إجْمَاعِ النَّاسِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى هَذَا أَوْ عَمَدَ الْحَيْفَ بِرَدِّ شَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحِينِ الَّذِي يَرُدُّهَا فِيهِ أَوْ إجَازَةِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الْحِينِ الَّذِي يُجِيزُهَا فِيهِ وَلَوْ كَتَبَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ بِحَقٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَالْأَغْلَبُ مِنْ هَذَا خَوْفُ أَنْ يَكُونَ يَرُدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِخِلاَفِ رَأْيِهِ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ لاَ عَدْلَ لَهُ بِمُوَافَقَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مَخُوفٌ أَنْ يَكُونَ يَسْتَحِلُّ بَعْضَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا أَمْكَنَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يَقْبَلَ كِتَابَهُ وَكِتَابُهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ نَفَذَ مِنْهُ فَلاَ يَكُونُ لِلْقَاضِي رَدُّهُ إلَّا بِجَوْرٍ تَبَيَّنَ لَهُ وَلَوْ كَانُوا مَأْمُونِينَ عَلَى مَا وَصَفْنَا بِرَاءٍ مِنْ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْهُ وَكَتَبَ مِنْ بِلاَدٍ نَائِيَةٍ يَهْلِكُ حَقُّ الْمَشْهُودِ لَهُ إنْ رَدَّ كِتَابَهُ فَقَبِلَ الْقَاضِي كِتَابَهُ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏:‏ وَكَانَ كِتَابُ قَاضِيهِمْ إذَا كَانَ كَمَا وَصَفْت فِي فَوْتِ الْحَقِّ إنْ رَدَّ شَبِيهًا بِحُكْمِهِ‏.‏

قَالَ وَمَنْ شَهِدَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ عِنْدَ قَاضٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا مُحَارِبًا أَوْ مِمَّنْ يَرَى رَأْيَهُمْ فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِاسْتِحْلاَلِ بَعْضِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ وَافَقَهُ بِالتَّصْدِيقِ لَهُ عَلَى مَا لَمْ يُعَايِنْ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوْ بِاسْتِحْلاَلٍ لِمَالِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَطْلُبُ بِهَا الذَّرِيعَةَ إلَى مَنْفَعَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ نِكَايَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اسْتِحْلاَلاً لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَمَنْ كَانَ مِنْ هَذَا بَرِيئًا مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ عَدْلاً جَازَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ وَقَعَ لِرَجُلٍ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى رَجُلٍ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ حَقٌّ فِي دَمِ نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ مَالٍ وَجَبَ عَلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ الْأَخْذُ لَهُ بِهِ لاَ يَخْتَلِفُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيمَا يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْحَقِّ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ حَقٌّ عَلَى قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَاغِي لِغَيْرِ الْبَاغِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ حَقَّهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُمْ لِمَنْ خَالَفَهُمْ كَانَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا ظَالِمًا وَلَمْ يَكُنْ لِقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْبَغْيِ حُقُوقَهُمْ قِبَلَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِمَنْعِ قَاضِيهِمْ الْحَقَّ مِنْهُمْ قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ الْحَقَّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالذِّمَّةِ وَإِنْ مَنَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْحَقَّ يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّبْرِ لِلْحَقِّ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مَنْعُ رَئِيسِ الْمُشْرِكِينَ حَقًّا قِبَلَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ لِمُسْلِمٍ بِاَلَّذِي يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَمْنَعَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا حَقَّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاَلَّذِي ظَلَمَهُ‏.‏ فَيُحْبَسُ لَهُ مِثْلُ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَلاَ يَمْنَعُ رَجُلاً حَقًّا بِظُلْمِ غَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى مِصْرٍ فَوَلَّوْا قَضَاءَهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلٍ مَعْرُوفًا بِخِلاَفِ رَأْيِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَكَتَبَ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلاً وَسَمَّى شُهُودًا شَهِدُوا عِنْدَهُ يُعَرِّفُهُمْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُعَرِّفُهُمْ أَهْلُ الْعَدَالَةِ بِالْعَدْلِ وَخِلاَفُ أَهْلِ الْبَغْيِ قَبْلَ الْكِتَابِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا فَكِتَابُهُ كَمَا وَصَفْت مِنْ كِتَابِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ قَالَ‏:‏ وَإِذَا غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْتَقُوا فِي بِلاَدِهِمْ فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ قَاتَلُوا مَعًا فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ إمَامٌ فَأَهْلُ الْبَغْيِ كَأَهْلِ الْعَدْلِ جَمَاعَتُهُمْ كَجَمَاعَتِهِمْ وَوَاحِدُهُمْ مِثْلُ وَاحِدِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ الْخُمُسُ قَالَ‏:‏ فَإِنْ أَمَّنَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا أَوْ امْرَأَةً مِنْهُمْ جَازَ الْأَمَانُ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْإِقْبَالِ كَانَ لَهُ السَّلَبُ‏.‏

وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي عَسْكَرٍ رِدْءًا لِأَهْلِ الْعَدْلِ فَسَرَّى أَهْلُ الْعَدْلِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ أَوْ كَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ رِدْءًا فَسَرَّى أَهْلُ الْبَغْيِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ شَرِكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ صَاحِبَتَهَا لاَ يَفْتَرِقُونَ فِي حَالٍ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا دَفَعُوا الْخُمُسَ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَانَ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لِقَوْمٍ مُفْتَرِقِينَ فِي الْبُلْدَانِ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ حُكْمَهُ جَارٍ عَلَيْهِمْ دُونَ حُكْمِ إمَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَنَّهُ لاَ يَسْتَحِلُّ حَبْسَهُ اسْتِحْلاَلَ الْبَاغِي‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ وَادَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَزْوُهُمْ فَإِنْ غَزَاهُمْ فَأَصَابَ لَهُمْ شَيْئًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا قَدْ وَادَعَهُمْ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ فَسَبَاهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ اسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَرَدُّوهُ عَلَى أَهْلِهِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ‏:‏ وَلاَ يَحِلُّ شِرَاءُ أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ وَإِنْ اشْتَرَى فَشِرَاؤُهُ مَرْدُودٌ قَالَ‏:‏ وَلَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ‏.‏

وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَادَعُوا أَهْلَ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ حَلاَلٌ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَسَبْيُهُمْ وَلَيْسَ كَيْنُونَتُهُمْ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَمَانٍ إنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ الْأَمَانُ عَلَى الْكَفِّ فَأَمَّا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَوْ كَانَ لَهُمْ أَمَانٌ فَقَاتَلُوا أَهْلَ الْعَدْلِ كَانَ نَقْضًا لَهُ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ لَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُمْ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَرَى إنْ كَانُوا مُكْرَهِينَ أَوْ ذَكَرُوا جَهَالَةً فَقَالُوا كُنَّا نَرَى عَلَيْنَا إذَا حَمَلَتْنَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُخْرَى أَنَّهَا إنَّمَا تَحْمِلُنَا عَلَى مَنْ يَحِلُّ دَمُهُ فِي الْإِسْلاَمِ مِثْلُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ أَوْ قَالُوا لَمْ نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ حَمَلُونَا عَلَى قِتَالِهِ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ وَيُؤْخَذُونَ بِكُلِّ مَا أَصَابُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلاَحِ بَيْنَهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَنَتَقَدَّمُ إلَيْهِمْ وَنُجَدِّدُ عَلَيْهِمْ شَرْطًا بِأَنَّهُمْ إنْ دَرَجُوا إلَى مِثْلِ هَذَا اُسْتُحِلَّ قَتْلُهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ قَالَ‏:‏ فَإِنْ أَتَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُحَرَّمُ الدَّمِ وَإِذَا قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ أَهْلَ الْحَرْبِ لَمْ يُعْطَوْا سَلَبًا وَلاَ خُمُسًا وَلاَ سَهْمًا وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ وَلَوْ رَهَنَ أَهْلُ الْبَغْيِ نَفَرًا مِنْهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَرَهَنَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ رَهْنًا‏.‏

وَقَالُوا احْبِسُوا رَهْنَنَا حَتَّى نَدْفَعَ إلَيْكُمْ رَهْنَكُمْ وَتَوَادَعُوا عَلَى ذَلِكَ إلَى مُدَّةٍ جَعَلُوهَا بَيْنَهُمْ فَعَدَا أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى رَهْنِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَتَلُوهُمْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوا رَهْنَ أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ وَلاَ أَنْ يَحْبِسُوهُمْ إذَا أَثْبَتُوا أَنْ قَدْ قُتِلَ أَصْحَابُهُمْ لِأَنَّ أَصْحَابَهُمْ لاَ يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ أَبَدًا وَلاَ يُقْتَلُ الرَّهْنُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ رَهْنُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِلاَ رَهْنٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَوَادَعُوهُمْ إلَى مُدَّةٍ فَجَاءَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَقَدْ غَدَرَ الْبَغْيُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَبْسُ الرَّهْنِ بِغَدْرِ غَيْرِهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ أَمَّنُوا رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ جَاهِلٌ كَانَ فِيهِ الدِّيَةُ‏.‏

وَإِذَا قَتَلَ الْعَدْلِيُّ الْبَاغِيَّ عَامِدًا وَالْقَاتِلُ وَارِثُ الْمَقْتُولِ أَوْ قَتَلَ الْبَاغِي الْعَدْلِيَّ وَهُوَ وَارِثُهُ لَمْ أَرَ أَنْ يَتَوَارَثَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيَرِثُهُمَا مَعًا وَرَثَتُهُمَا غَيْرُ الْقَاتِلَيْنِ، وَإِذَا قُتِلَ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي مَعْرَكَةٍ وَغَيْرِهَا صَلَّى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الصَّلاَةَ سُنَّةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُغَسَّلُ وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى وَلاَ يُبْعَثُ بِرُءُوسِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ وَلاَ يُصْلَبُونَ وَلاَ يُمْنَعُونَ الدَّفْنَ، وَإِذَا قَتَلَ أَهْلَ الْعَدْلِ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي الْمَعْرَكَةِ فَفِيهِمْ قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ يُدْفَنُوا بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَالثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا إنْ شَاءُوا لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُصْنَعُ بِهِمْ كَمَا يُصْنَعُ بِمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَشُهَدَاءُ‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ فِي الْمُسْلِمِينَ الصَّلاَةُ عَلَى الْمَوْتَى إلَّا حَيْثُ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا فِيمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا مَعَهُمْ فَهُمْ فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ مِثْلُ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَكْرَهُ لِلْعَدْلِيِّ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَوْ كَفَّ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ذِي رَحِمِهِ أَوْ أَخِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ بَلْ أُحِبُّهُ وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَأَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ»، وَإِذَا قَتَلَتْ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلَةِ أَوْ أَخَذَتْ الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ‏.‏

وَإِذَا ارْتَدَّ قَوْمٌ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَاجْتَمَعُوا وَقَاتَلُوا فَقُتِلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَإِذَا تَابُوا لَمْ يُتْبَعُوا بِدَمٍ وَلاَ مَالٍ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لِمَ لاَ يُتْبَعُونَ‏؟‏ قِيلَ هَؤُلاَءِ صَارُوا مُحَارَبِينَ حَلاَلَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَمَا أَصَابَ الْمُحَارِبُونَ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُمْ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَتَلَ طُلَيْحَةُ عُكَاشَةَ بْنَ مُحْصِنٍ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ فَلَمْ يَضْمَنْ عَقْلاً وَلاَ قَوَدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالْحَدُّ فِي الْمُكَابَرَةِ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ سَوَاءٌ وَلَعَلَّ الْمُحَارِبَ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمُ ذَنْبًا‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ يُقَادُ مِنْهُمْ إذَا ارْتَدُّوا وَحَارَبُوا فَقَتَلُوا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشِّرْكَ إنْ لَمْ يَزِدْهُمْ شَرًّا لَمْ يَزِدْهُمْ خَيْرًا بِأَنْ يَمْنَعَ الْقَوَدَ مِنْهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ ظَهَرُوا عَلَى مَدِينَةٍ فَأَرَادَ قَوْمٌ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ قِتَالَهُمْ لَمْ أَرَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَهُمْ، فَإِنْ قَالُوا نُقَاتِلُكُمْ مَعًا وَسِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكَانُوا فِي مَعْنَى مَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ أَهْلَ الْبَغْيِ وَكَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ الْكَفُّ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَسْتَنْقِذُوا أَهْلَ الْبَغْيِ‏.‏

وَلَوْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَمَاتَ عَامِلُهُمْ فَغَزَوْا مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَدَّ لِصَاحِبِهِ شَرِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ لِي قَائِلٌ‏:‏ فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ أَرَادَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ دَمَهُ أَوْ حُرْمَتَهُ‏؟‏ قُلْتُ لَهُ‏:‏ فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْهُ، قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُدْفَعُ عَنْهُ إلَّا بِقِتَالٍ‏؟‏ قُلْت فَيُقَاتِلُهُ، قَالَ وَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِهِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ‏.‏ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِذَلِكَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَا مَعْنَى يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ أَنْ يَكُونَ فَارِسًا وَالْعَارِضُ لَهُ رَاجِلٌ فَيُمْعِنَ عَلَى الْفَرَسِ، أَوْ يَكُونَ مُتَحَصِّنًا فَيُغْلِقَ الْحِصْنَ السَّاعَةَ فَيَمْضِيَ عَنْهُ‏.‏

وَإِنْ أَبَى إلَّا حَصْرَهُ وَقِتَالَهُ قَاتَلَهُ أَيْضًا، قَالَ‏:‏ أَفَلَيْسَ قَدْ ذَكَرَ حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ‏:‏ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» فَقُلْت لَهُ حَدِيثَ عُثْمَانَ كَمَا حَدَّثَ بِهِ وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ» كَمَا قَالَ وَهَذَا كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَتَى وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ حَلَّ دَمُهُ‏.‏ كَمَا قَالَ‏:‏ فَكَانَ رَجُلٌ زَنَى ثُمَّ تَرَكَ الزِّنَا وَتَابَ مِنْهُ أَوْ هَرَبَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي زَنَى فِيهِ فَقُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ رَجْمًا وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا عَامِدًا ثُمَّ تَرَكَ الْقَتْلَ فَتَابَ وَهَرَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ قَوَدًا وَإِذَا كَفَرَ فَتَابَ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْكُفْرِ وَهَذَانِ لاَ يُفَارِقُهُمَا اسْمُ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَلَوْ تَابَا وَهَرَبَا فَيُقْتَلاَنِ بِالِاسْمِ اللَّازِمِ لَهُمَا، وَالْكَافِرُ بَعْدَ إيمَانِهِ لَوْ هَرَبَ وَلَمْ يَتْرُكْ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ مَا أَظْهَرَهُ قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ مِنْ الْكُفْرِ وَعَادَ إلَى الْإِسْلاَمِ حَقَنَ دَمَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ اسْمُ الْكُفْرِ فَلاَ يُقْتَلُ وَقَدْ عَادَ مُسْلِمًا وَمَتَى لَزِمَهُ اسْمُ الْكُفْرِ فَهُوَ كَالزَّانِي وَالْقَاتِلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالْبَاغِي خَارِجٌ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ حَلاَلُ الدَّمِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُسْتَثْنًى فِيهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ إذَا بَغَى وَامْتَنَعَ أَوْ قَاتَلَ مَعَ أَهْلِ الِامْتِنَاعِ قُوتِلَ دَفْعًا عَنْ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ مُنَازَعَةً لِيَرْجِعَ أَوْ يَدْفَعَ حَقًّا إنْ مَنَعَهُ فَإِنْ أَتَى لاَ قِتَالَ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ عَقْلَ فِيهِ وَلاَ قَوَدَ فَإِنَّا أَبَحْنَا قِتَالَهُ، وَلَوْ وَلَّى عَنْ الْقِتَالِ أَوْ اعْتَزَلَ أَوْ جُرِحَ أَوْ أُسِرَ أَوْ كَانَ مَرِيضًا لاَ قِتَالَ بِهِ لَمْ يُقْتَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ وَلاَ يُقَالُ لِلْبَاغِي وَحَالُهُ هَكَذَا حَلاَلُ الدَّمِ وَلَوْ حَلَّ دَمُهُ مَا حُقِنَ بِالتَّوْلِيَةِ وَالْإِسَارِ وَالْجُرْحِ وَعَزْلِهِ الْقِتَالَ، وَلاَ يُحْقَنُ دَمُ الْكَافِرِ حَتَّى يُسْلِمَ وَحَالُهُ مَا وَصَفْت قَبْلَهُ مِنْ حَالِ مَنْ أَرَادَ دَمَ رَجُلٍ أَوْ مَالَهُ‏.‏

الْخِلاَفُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ حَضَرَنِي بَعْضُ النَّاسِ الَّذِي حَكَيْت حُجَّتَهُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ فَكَلَّمَنِي بِمَا وَصَفْتُ وَحَكَيْت لَهُ جُمْلَةَ مَا ذَكَرْتَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَالَ هَذَا كَمَا قُلْت وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا احْتَجَّ فِي هَذَا بِشَبِيهِ بِمَا احْتَجَجْتَ بِهِ وَلَقَدْ خَالَفَك أَصْحَابُنَا مِنْهُ فِي مَوَاضِعَ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَا هِيَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَالُوا إذَا كَانَتْ لِلْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ فِئَةٌ تَرْجِعُ إلَيْهَا وَانْهَزَمُوا قُتِلُوا مُنْهَزِمِينَ وَذُفِّفَ عَلَيْهِمْ جَرْحَى وَقُتِلُوا أَسْرَى فَإِنْ كَانَتْ حَرْبُهُمْ قَائِمَةً فَأُسِرَ مِنْهُمْ أَسِيرٌ قُتِلَ أَسِيرُهُمْ وَذُفِّفَ عَلَى جَرْحَاهُمْ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ فِئَةٌ وَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقْتَلَ مُدْبِرُهُمْ وَلاَ أَسِيرُهُمْ وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرْحَاهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْتَ لَهُ إذَا زَعَمْتَ أَنَّ مَا احْتَجَجْنَا بِهِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ رَغِبْت عَنْ الْأَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْحُجَّةُ أَقُلْت بِهَذَا خَبَرًا أَوْ قِيَاسًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ قُلْت بِهِ خَبَرًا‏.‏ قُلْت‏:‏ وَمَا الْخَبَرُ‏؟‏ قَالَ إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ‏:‏ لاَ يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْجَمَلِ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْت لَهُ أَفَرَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا قَتَلْنَا مُدْبِرَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ وَجَرِيحَهُمْ فَتَسْتَدِلُّ بِاخْتِلاَفِ حُكْمِهِ عَلَى اخْتِلاَفِ السِّيرَةِ فِي الطَّائِفَتَيْنِ عِنْدَهُ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ عِنْدِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى‏.‏ قُلْت أَفَبِدَلاَلَةٍ‏؟‏ فَأَوْجَدْنَاهَا‏.‏ فَقَالَ فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ مُقْبِلِينَ وَلاَ يَجُوزُ مُدْبِرِينَ‏؟‏ قُلْت بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ إذَا كَانُوا بَاغِينَ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ مَنْ يُقَاتِلُ، فَأَمَّا مَنْ لاَ يُقَاتِلُ فَإِنَّمَا يُقَالُ اُقْتُلُوهُ لاَ فَقَاتِلُوهُ وَلَوْ كَانَ فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ هَذَا حُجَّةٌ كَانَتْ عَلَيْك لِأَنَّك تَقُولُ لاَ تَقْتُلُونَ مُدْبِرًا وَلاَ أَسِيرًا وَلاَ جَرِيحًا إذَا انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ قَالَ قُلْته اتِّبَاعًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي مِثْلِ مَا اتَّبَعْته فِيهِ، وَقُلْت أَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك وَقَالَ نَقْتُلُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ لِأَنَّ عَلِيًّا قَدْ يَكُونُ تَرَكَ قَتْلَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ لاَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَيْهِ قُلْت وَلاَ لَك لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه وَلاَ يَحْتَمِلُهُ دَلاَلَةً عَلَى قَتْلِ مَنْ كَانَتْ لَهُ فِئَةٌ مُوَلِّيًا وَأَسِيرًا أَوْ جَرِيحًا‏.‏

قَالَ وَقُلْت وَمَا أَلْفَيْته مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا هُوَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَيَيْنِ، إمَّا مَا قُلْنَا بِالِاسْتِدْلاَلِ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِعْلِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَسَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ فَمَا ضَرَبَهُ وَلاَ قَتَلَهُ، وَعَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه قَدْ أَسَرَ وَقَدَرَ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَمَا ضَرَبَهُ وَلاَ قَتَلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ إلَى هَذَا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَيُقْتَلُونَ فِي كُلِّ حَالٍ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَ لاَ يُقْتَلُونَ فِي هَذِهِ الْحَالِ‏.‏ قُلْت أَجَلٌ وَلاَ فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَحْت دِمَاءَهُمْ فِيهَا، وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ فَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِئَةٌ كَانُوا كَثِيرًا وَانْصَرَفَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ فَكَانُوا يَحْتَمِلُونَ أَنْ تَكُونَ الْفِئَةُ الْمُنْصَرِفَةُ أَوَّلاً فِئَةً لِلْفِئَةِ الْمُنْصَرِفَةِ آخِرًا، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْمُسْلِمِينَ هَزِيمَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ بِالشِّعْبِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِئَةً لِمَنْ انْحَازَ إلَيْهِ وَهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ يَكُونُ لِلْقَوْمِ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ وَلاَ يُرِيدُونَهَا وَلاَ يُرِيدُونَ الْعَوْدَةَ لِلْقِتَالِ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ يُرِيدُونَ الرُّجُوعَ لِلْقِتَالِ وَقَدْ وَجَدْت الْقَوْمَ يُرِيدُونَ الْقِتَالَ وَيَشْحَذُونَ السِّلاَحَ فَتَزْعُمُ نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا قِتَالُهُمْ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَسِيرُوا وَنَحْنُ نَخَافُهُمْ عَلَى الْإِيقَاع بِنَا فَكَيْفَ أَبَحْت قِتَالَهُمْ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِمْ الْقِتَالَ أَوْ بِتَرْكِ غَيْرِهِمْ الْهَزِيمَةَ وَقَدْ انْهَزَمُوا هُمْ وَجُرِحُوا وَأُسِرُوا وَلاَ تُبِيحُ قِتَالَهُمْ بِإِرَادَتِهِمْ الْقِتَالَ‏؟‏ وَقُلْت لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك فِي هَذَا حُجَّةٌ إلَّا فِعْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَوْلُهُ كُنْت مَحْجُوجًا بِفِعْلِ عَلِيٍّ وَقَوْلِهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه أُتِيَ بِأَسِيرٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ لاَ تَقْتُلْنِي صَبْرًا فَقَالَ عَلِيٌّ لاَ أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ قَالَ أَفِيك خَيْرٌ أَيُبَايِعُ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالْحَرْبُ يَوْمَ صِفِّينَ قَائِمَةٌ وَمُعَاوِيَةُ يُقَاتِلُ جَادًّا فِي أَيَّامِهِ كُلِّهَا مُنْتَصِفًا أَوْ مُسْتَعْلِيًا وَعَلِيٌّ يَقُولُ لِأَسِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ لاَ أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِقَتْلِ مِثْلِهِ‏؟‏ قَالَ فَلَعَلَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ قُلْت هُوَ يَقُولُ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَالَ يَقُولُ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ فَأَطْلُبُ الْأَجْرَ بِالْمَنِّ عَلَيْك قُلْت أَفَيَجُوزُ إذْ قَالَ لاَ يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ لِمَنْ لاَ فِئَةَ لَهُ مِثْلُ حُجَّتِك‏؟‏ قَالَ لاَ لِأَنَّهُ لاَ دَلاَلَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهِ قُلْت وَلاَ دَلاَلَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي فَاخِتَةَ عَلَى مَا قُلْت وَفِيهِ الدَّلاَلَةُ عَلَى خِلاَفِك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَهُ رَجَاءَ الْأَجْرِ قَالَ إنِّي لاََرْجُو اللَّهَ‏.‏

وَاسْمُ الرَّجَاءِ بِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مُبَاحًا لَهُ أَوْلَى مِنْ اسْمِ الْخَوْفِ وَاسْمُ الْخَوْفِ بِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا خَوْفَ الْمَأْثَمِ أَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ قَوْلَك لاَ نَسْتَمْتِعُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ بِشَيْءٍ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ قُلْت وَمَا تِلْكَ الْحَالُ‏؟‏ قَالَ إذَا كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً اُسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلاَحِهِمْ فَإِذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَرَثَتِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاكَ مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ مَنْ اُسْتُحِلَّ دَمُهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ‏؟‏ فَقَالَ الدَّمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ فَإِذَا حَلَّ الدَّمُ كَانَ الْمَالُ لَهُ تَبَعًا هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ خَالَفُوا دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَكَذَا وَتَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ أَيْضًا بِمَا لاَ تَحِلُّ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَذَلِكَ إنْ يُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ وَالْحُكْمُ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُبَايِنٌ لِهَذَا قَدْ يَحِلُّ دَمُ الزَّانِي مِنْهُمْ وَالْقَاتِلُ وَلاَ يَحِلُّ مِنْ مَالِهِمَا شَيْءٌ وَذَلِكَ لِجِنَايَتِهِمَا وَلاَ جِنَايَةَ عَلَى أَمْوَالِهِمَا وَالْبَاغِي أَخَفُّ حَالاً مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْقَاتِلِ هَذَا مُبَاحُ الدَّمِ مُطْلَقًا لاَ اسْتِثْنَاءَ فِيهِ وَلاَ يُقَالُ لِلْبَاغِي مُبَاحُ الدَّمِ إنَّمَا يُقَالُ عَلَى الْبَاغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْبَغْيِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ بِالْكَلاَمِ أَوْ كَانَ بَاغِيًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مُقَاتِلٍ لَمْ يَحِلَّ قِتَالُهُ وَإِنْ يُقَاتِلْ فَلَمْ يَخْلُصْ إلَى دَمِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِي غَيْرِ مَعْنَى قِتَالٍ بِتَوْلِيَةٍ أَوْ أَنْ يَصِيرَ جَرِيحًا أَوْ مُلْقِيًا لِلسِّلاَحِ أَوْ أَسِيرًا لَمْ يَحِلَّ دَمُهُ فَقَالَ هَذَا الَّذِي إذَا كَانَ هَكَذَا حُرِّمَ أَوْ مِثْلُ حَالِ الزَّانِي وَالْقَاتِلُ مُحَرَّمُ الْمَالِ قَالَ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا هَذَا وَمَا فَوْقَ هَذَا حُجَّةٌ‏؟‏ فَقُلْت هَلْ الَّذِي حَمِدْت حُجَّةً عَلَيْك‏؟‏ قَالَ إنِّي إنَّمَا آخُذُهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِي وَأَوْهَنُ لَهُمْ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ فَقُلْت فَهَلْ يَعْدُو مَا أَخَذْت مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَنْ تَأْخُذَ مَالَ قَتِيلٍ قَدْ صَارَ مِلْكُهُ لِطِفْلٍ أَوْ كَبِيرٍ لَمْ يُقَاتِلْك قَطُّ فَتَقْوَى بِمَالِ غَائِبٍ عَنْك غَيْرِ بَاغٍ عَلَى بَاغٍ يُقَاتِلُك غَيْرُهُ أَوْ مَالِ جَرِيحٍ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ مُوَلٍّ قَدْ صَارُوا فِي غَيْرِ مَعْنَى أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ يَحِلُّ قِتَالُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أَوْ مَالُ رَجُلٍ يُقَاتِلُك يَحِلُّ لَك دَفْعُهُ وَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ جِنَايَةَ عَلَى مَالِهِ أَوَرَأَيْت لَوْ سَبَى أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا نَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لِنَسْتَنْقِذَهُمْ فَنُعْطِيَهُمْ بِاسْتِنْقَاذِهِمْ خَيْرًا مِمَّا نَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت وَقَلِيلُ الِاسْتِمْتَاعِ بِأَمْوَالِ النَّاسِ مُحَرَّمٌ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا أَحَلَّ لَك الِاسْتِمْتَاعَ بِأَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ ثُمَّ اسْتَمْتَعْت بِالْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ دُونَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ، وَالْمَالُ غَيْرُهُمَا‏؟‏ قَالَ فَمَا فِيهِ قِيَاسٌ وَمَا الْقِيَاسُ فِيهِ إلَّا مَا قُلْت وَلَكِنِّي قُلْته خَبَرًا قُلْت وَمَا الْخَبَرُ‏؟‏ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه غَنِمَ مَا فِي عَسْكَرِ مَنْ قَاتَلَهُ فَقُلْت لَهُ قَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عَلِيًّا عَرَّفَ وَرَثَةَ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ حَتَّى تَغَيُّبَ قِدْرٍ أَوْ مِرْجَلٍ أَفَسَارَ عَلَى عَلِيٍّ بِسِيرَتَيْنِ إحْدَاهُمَا غَنِمَ وَالْأُخْرَى لَمْ يَغْنَمْ فِيهَا‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ وَهْمٌ قُلْت فَأَيُّهُمَا الْوَهْمُ‏؟‏ قَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ‏؟‏ قُلْت مَا أَعْرِفُ مِنْهُمَا وَاحِدًا ثَابِتًا عَنْهُ فَإِنْ عَرَفْت الثَّابِتَ فَقُلْ بِمَا يَثْبُتُ عَنْهُ قَالَ مَالُهُ أَنْ يَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ قُلْت أَلِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُحَبَّةٌ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت فَقَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَيْنِ عَنْهُ وَأَنْتَ لاَ تَغْنَمُ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ غَنِمَ وَلاَ تَتْرُكُ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ تَرَكَ قَالَ إنَّمَا اسْتَمْتَعَ بِهَا فِي حَالٍ قُلْت فَالْمَحْظُورُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ فِيمَا سِوَى هَذَا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْئَانِ مَحْظُورَانِ فَيُسْتَمْتَعُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْآخَرِ بِلاَ خَبَرٍ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَقَدْ أَجَزْته‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت لَهُمْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ تُقَوِّيَك عَلَيْهِمْ أَتَأْخُذُهَا‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت مَا هُوَ أَشَدُّ لَك عَلَيْهِمْ تَقْوِيَةً مِنْ السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَقُلْت لَهُ وَلِمَ‏؟‏ وَصَاحِبُك يُصَلِّي عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي حَدٍّ وَالْمَقْتُولُ فِي حَدٍّ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِك قَتْلُهُ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ وَالْبَاغِي يَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِك قَتْلُهُ مُوَلِّيًا وَرَاجِعًا عَنْ الْبَغْيِ فَإِذَا تَرَكَ صَاحِبُك الصَّلاَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ إلَّا قَتْلُهُ أَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ ليتنكل غَيْرُهُ عَنْ مِثْلِ مَا صَنَعَ قُلْت أَوْ يُعَاقِبُهُ صَاحِبُك بِمَا لاَ يَسَعُهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِهِ‏؟‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فَلْيَصْلُبْهُ أَوْ لِيُحَرِّقْهُ فَهُوَ أَشَدُّ فِي الْعُقُوبَةِ مِنْ تَرْكِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ أَوْ يَجُزَّ رَأْسَهُ فَيَبْعَثْ بِهِ‏؟‏ قَالَ لاَ يَفْعَلُ بِهِ مِنْ هَذَا شَيْئًا قُلْت وَهَلْ يُبَالِي مَنْ قَاتَلَك عَلَى أَنَّك كَافِرٌ أَنْ لاَ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى صَلاَتَك لاَ تُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى‏؟‏ وَقُلْت صَاحِبُك لَوْ غَنِمَ مَالَ الْبَاغِي كَانَ أَبْلَغَ فِي تَنْكِيلِ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَصْنَعُوا مِثْلَ مَا صَنَعَ الْبَاغِي قَالَ مَا يُنَكِّلُ أَحَدٌ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَكِّلَ بِهِ قُلْت فَقَدْ فَعَلْت وَقُلْتُ لَهُ أَتَمْنَعُ الْبَاغِيَ أَنْ تُجُوِّزَ شَهَادَتُهُ أَوْ يُنَاكِحَ أَوْ يُوَارِثُ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت قَالَ فَكَيْفَ مَنَعْته الصَّلاَةَ وَحْدَهَا‏؟‏ أَبِخَبَرٍ‏؟‏ لاَ قُلْت فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ أُصَلِّي عَلَيْهِ وَأَمْنَعُهُ أَنْ يُنَاكِحَ أَوْ يُوَارِثُ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ شَيْئًا مِمَّا لاَ يَمْنَعُهُ الْمُسْلِمَ إلَّا بِخَبَرٍ قُلْت فَقَدْ مَنَعَهُ الصَّلاَةَ بِلاَ خَبَرٍ وَقَالَ إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَخَاهُ وَأَخُوهُ بَاغٍ وَرِثَهُ لِأَنَّ لَهُ قَتْلَهُ وَإِذَا قَتَلَهُ أَخُوهُ لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ فَقُلْت لَهُ فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَخَاهُ عَمْدًا لَمْ يَرِثْ مِنْ مَالِهِ وَلاَ مِنْ دَيْنِهِ إنْ أَخَذْت مِنْهُ شَيْئًا وَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً وَرِثَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لاَ يُتَّهَمُ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ لِيَرِثَ مَالَهُ وَرَوَى هَذَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ يَرْفَعُهُ فَقُلْت حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَقُلْت إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» هَذَا عَلَى مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْقَتْلِ أَيُّمَا كَانَ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ أَوْ مَرْفُوعًا عَنْهُ الْإِثْمُ بِأَنْ عَمَدَ غَرَضًا فَأَصَابَ إنْسَانًا فَكَيْفَ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا فِي الْقَتِيلِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ فَيَقُولُ كُلُّ مَنْ يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ فَلاَ يَرِثُ كَمَا احْتَجَجْت عَلَيْنَا‏؟‏ وَأَنْتَ أَيْضًا تُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْقَتْلِ فَتَقُولُ لاَ أُقِيدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَالِمًا لِأَنَّ كُلًّا مُتَأَوِّلٌ قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ نُقَاتِلُ أَهْلَ الْبَغْيِ وَلاَ يُدْعَوْنَ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وَقَالَ حُجَّتُنَا فِيهِ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يُقَاتَلَ وَلاَ يُدْعَى فَقُلْت لَهُ لَوْ قَاسَ غَيْرُك أَهْلَ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ كُنْت شَبِيهًا بِالْخُرُوجِ إلَى الْإِسْرَافِ فِي تَضْعِيفِهِ كَمَا رَأَيْتُك تَفْعَلُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا قَالَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا أَظْهَرُوا إرَادَةَ الْخُرُوجِ عَلَيْنَا وَالْبَرَاءَةَ مِنَّا وَاعْتَزَلُوا جَمَاعَتَنَا أَتَقْتُلُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ‏؟‏ قَالَ لاَ فَقُلْت وَلاَ نَأْخُذُ لَهُمْ مَالاً وَلاَ نَسْبِي لَهُمْ ذُرِّيَّةً‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ لاَ يَهُمُّونَ بِنَا وَلاَ يُعَرِّضُونَ بِذِكْرِنَا أَهْلَ قُوَّةٍ عَلَى حَرْبِنَا فَتَرَكُوهَا أَوْ ضَعُفَ عَنْهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهَا أَيَحِلُّ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ نِيَامًا كَانُوا أَوْ مُوَلِّينَ وَمَرْضَى وَنَأْخُذَ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ وَرِجَالِهِمْ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَمَا يَحِلُّ مِنْهُمْ مُقَاتِلِينَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ مِثْلُ مَا يَحِلُّ مِنْهُمْ تَارِكِينَ لِلْحَرْبِ غَافِلِينَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَأَهْلُ الْبَغْيِ مُقْبِلِينَ يُقَاتَلُونَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ فَلاَ يُؤْخَذُ لَهُمْ مَالٌ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَرَاهُمْ يُشْبِهُونَهُمْ، قَالَ إنَّهُمْ لَيُفَارِقُونَهُمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ قُلْت بَلْ فِي أَكْثَرِهَا أَوْ كُلِّهَا قَالَ فَمَا مَعْنَى دَعْوَتِهِمْ‏؟‏ قُلْت قَدْ يَطْلُبُونَ الْأَمْرَ بِبَعْضِ الْخَوْفِ وَالْإِرْعَادِ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَعْتَقِدُونَ وَيَسْأَلُونَ عَزْلَ الْعَامِلِ وَيَذْكُرُونَ جَوْرَهُ أَوْ رَدَّ مَظْلِمَتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَيُنَاظِرُونَ فَإِنْ كَانَ مَا طَلَبُوا حَقًّا أُعْطُوهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً أُقِيمَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَإِنْ تَفَرَّقُوا قَبْلَ هَذَا تَفَرُّقًا لاَ يَعُودُونَ لَهُ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَوْا إلَّا الْقِتَالَ قُوتِلُوا وَقَدْ اجْتَمَعُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَلَّمَهُمْ فَتَفَرَّقُوا بِلاَ حَرْبٍ وَقُلْت لَهُ وَإِذَا كَانُوا عِنْدَنَا وَعِنْدَك إذَا قَاتَلُوا فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ ثُمَّ وَلَّوْا لَمْ يُقْتَلُوا مُوَلِّينَ لِحُرْمَةِ الْإِسْلاَمِ مَعَ عِظَمِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ تُبَيِّتُهُمْ فَتَقْتُلُهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِمْ الرُّجُوعُ بِلاَ سَفْكِ دَمٍ وَلاَ مُؤْنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلاَمِ وَرَدِّ مَظْلِمَةٍ إنْ كَانَتْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهَا إذَا عَلِمَهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا‏.‏

الْأَمَانُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ أَمَّنَ أَهْلَ بَغْيٍ أَوْ حَرْبٍ وَكَانَ يُقَاتِلُ أَجَزْنَا أَمَانَهُ كَمَا نُجِيزُ أَمَانَ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ لاَ يُقَاتِلُ لَمْ نُجِزْ أَمَانَهُ، فَقُلْت لَهُ لِمَ فَرَّقْت بَيْنَ الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلاَ يُقَاتِلُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» فَقُلْت لَهُ هَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك، قَالَ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قُلْت إنْ زَعَمْت أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» عَلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمَمْلُوكَ يُؤَمِّنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَدِيثِ، قَالَ مَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، فَقُلْت لَهُ فَإِنْ كَانَ دَاخِلاً فِي الْحَدِيثِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَمَانُهُ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ‏؟‏ قَالَ إنَّمَا يُؤَمِّنُ الْمُقَاتِلِينَ مُقَاتِلٌ، قُلْت وَرَأَيْت ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً فِي الْحَدِيثِ أَوْ وَجَدْت عَلَيْهِ دَلاَلَةً مِنْهُ‏؟‏ قَالَ كَانَ الْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قُلْت لَيْسَ كَمَا تَقُولُ الْحَدِيثُ وَالْعَقْلُ مَعًا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ الْمُؤْمِنِ بِالْإِيمَانِ لاَ بِالْقِتَالِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْتَ كُنْتَ قَدْ خَالَفْت أَصْلَ مَذْهَبِك قَالَ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ تُؤَمِّنُ، فَيَجُوزُ أَمَانُهَا وَالزَّمِنُ لاَ يُقَاتِلُ يُؤَمِّنُ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ وَكَانَ يَلْزَمُك فِي هَذَيْنِ عَلَى أَصْلِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ أَنْ لاَ يَجُوزُ أَمَانُهُمَا لِأَنَّهُمَا لاَ يُقَاتِلاَنِ قَالَ فَإِنِّي أَتْرُكُ هَذَا كُلَّهُ فَأَقُولُ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ فَدِيَةُ الْعَبْدِ أَقَلُّ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَلَيْسَ بِكُفْءٍ بِدَمِهِ لِدَمِهِ، فَقُلْت لَهُ الْقَوْلُ الَّذِي صِرْت إلَيْهِ أَبْعَدُ مِنْ الصَّوَابِ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي بَانَ لَك تَنَاقُضُ قَوْلِك فِيهِ، قَالَ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قُلْت أَتَنْظُرُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ إلَى الْقَوَدِ أَمْ إلَى الدِّيَةِ‏؟‏ قَالَ إلَى الدِّيَةِ، قُلْت فَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهَا، وَدِيَةُ بَعْضِ الْعَبِيدِ عِنْدَك أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَلاَ تُجِيزُ أَمَانَهُ‏؟‏ وَقَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ لاَ يُقَاتِلُ أَكْثَرَ دِيَةً مِنْ الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلاَ تُجِيزُ أَمَانَهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ عَنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَتُجِيزُ أَمَانَهُ فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك فِي إجَازَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُقَاتِلِ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَفِي الْمَرْأَةِ، قَالَ‏:‏ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا عَنَى تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ فِي الْقَوَدِ، قُلْت فَقُلْهُ قَالَ فَقَدْ قُلْت فَأَنْتَ تُقِيدُ بِالْعَبْدِ الَّذِي لاَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ الْحُرَّ دِيَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ كَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يُحْسِنُ قِتَالاً أَوْ لاَ يُحْسِنُهُ، قَالَ إنِّي لاََفْعَلُ وَمَا هَذَا عَلَى الْقَوَدِ قُلْت أَجَلْ وَلاَ عَلَى الدِّيَةِ وَلاَ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُنْت قَدْ تَرَكْته كُلَّهُ، قَالَ فَعَلاَمَ هُوَ‏؟‏ قُلْت عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ قَالَ وَإِذَا أَسَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَهْلَ الْعَدْلِ وَكَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ فِيهِمْ تُجَّارٌ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَالاً لَمْ يُقْتَصَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَلْزَمْ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا فِي دَارِ حَرْبٍ، فَقُلْت لَهُ أَتَعْنِي أَنَّهُمْ فِي حَالِ شُبْهَةٍ بِجُهَّالِهِمْ وَتَنَحِّيهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَهَالَةِ مَنْ هُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ مِمَّنْ أَهْلُ بَغْيٍ أَوْ مُشْرِكِينَ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَوْ كَانُوا فُقَهَاءَ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَا أَتَوْا وَمَا هُوَ دُونَهُ مُحَرَّمٌ أَسْقَطْت ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الدَّارَ لاَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْمُ فَقُلْت لَهُ إنَّمَا يَحْتَمِلُ قَوْلُك لاَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْم مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنْ تَقُولَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ يُعْطُوا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ جَارِيًا، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَغْلِبَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَيَمْنَعُوهَا مِنْ الْحُكْمِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصِيبُ فِيهِ هَؤُلاَءِ الْحُدُودِ فَأَيَّهُمَا عَنَيْت‏؟‏ قَالَ أَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَلاَ أَقُولُ بِهِ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ يَصِيرُوا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَسْلِمُوا لِلْحُكْمِ وَهُمْ بِمَنْعِهِ ظَالِمُونَ مُسْلِمُونَ كَانُوا أَوْ مُشْرِكِينَ وَلَكِنْ إذَا مَنَعُوا دَارَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا طَاعَةٌ يَجْرِي فِيهَا الْحُكْمُ كَانُوا قَبْلَ الْمَنْعِ مُطِيعِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ أَوْ لَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ قَبْلَهُ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الدَّارِ حُدُودًا بَيْنَهُمْ أَوْ لِلَّهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْحُدُودُ وَلاَ الْحُقُوقُ بِالْحُكْمِ وَعَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَأْدِيَتُهَا فَقُلْت لَهُ نَحْنُ وَأَنْتَ تُزْعَمُ أَنَّ الْقَوْلَ لاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا أَوْ قِيَاسًا مَعْقُولاً فَأَخْبِرْنَا فِي أَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ قَوْلُك‏؟‏ قَالَ قَوْلِي قِيَاسٌ لاَ خَبَرٌ قُلْنَا فَعَلاَمَ قِسْتَهُ‏؟‏ قَالَ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْمُحَارَبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلاَ نُقِيدُ مِنْهُمْ، قُلْت أَتَعْنِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

فَقُلْت لَهُ أَهْلُ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخَالِفُونَ التُّجَّارَ وَالْأُسَارَى فِيهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ خِلاَفًا بَيِّنًا‏.‏

قَالَ فَأَوْجَدَنِيهِ قُلْت أَرَأَيْت الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارَبِينَ لَوْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَتَدَعُ السَّابِيَ يَتَخَوَّلُ الْمَسْبِيَّ مَوْقُوفًا لَهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏:‏ قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْأُسَارَى أَوْ التُّجَّارُ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ، قَالَ فَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِقَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ لَوْ غَزَوْنَا فَقَتَلُوا فِينَا ثُمَّ رَجَعُوا إلَى دَارِهِمْ فَأَسْلَمُوا أَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الرُّجُوعِ أَيَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْهُمْ قَوَدٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏

قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْأُسَارَى أَوْ التُّجَّارُ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَلاَ مُشْتَبَهٍ عَلَيْهِمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يُقْتَلُونَ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ أَيَسَعُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَصْدَ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ فَيَقْتُلُونَهُمْ‏؟‏ قَالَ لاَ بَلْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، قُلْت أَفَيَسَعُهُمْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت أَرَأَيْت الْأُسَارَى وَالتُّجَّارَ لَوْ تَرَكُوا صَلَوَاتٍ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ أَيَكُونُ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهَا أَوْ زَكَاةً كَانَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا مَا يَحِلُّ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْت فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لاَ تُغَيِّرُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَيَكُونُ أَسْقَطْت عَنْهُمْ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقَّ الْآدَمِيِّينَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَتَوْا فِي الدَّارِ الَّتِي لاَ تُغَيِّرُ عِنْدَك شَيْئًا‏.‏

ثُمَّ قُلْت وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُ حَقٍّ قِبَلَهُمْ فِي دَمٍ وَلاَ غَيْرِهِ‏؟‏ وَمَا كَانَ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُهُ كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُمْ عِنْدَك فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ فَإِنِّي أَقِيسُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ أَبْطَلَ مَا أَصَابُوا إذَا كَانَ الْحُكْمُ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ، قُلْت وَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ، قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيُظْهِرُوا حُكْمَهُمْ يُقَادُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَا أَصَابُوا وَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ لاَ إمَامَ لَهُمْ وَلاَ امْتِنَاعَ فَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كَانَ الَّذِي تُقِيمُ عَلَيْهِ الْحُدُودَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَشْبَهُ بِهِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ وَهُمْ غَيْرُ مُمْتَنِعِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ عِنْدَك إذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلاَ شُبْهَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ أَقَدْتهمْ وَأَخَذْت لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَا ذَهَبَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ، فَقَالَ وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ بِغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا مَنَعْتَهُمْ بِأَنَّ الدَّارَ لاَ يُجْرَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ، فَقُلْت لَهُ فَأَنْتَ إنْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ مُخْطِئٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَبْتَدِئَ بِاَلَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ، قَالَ فَيَدْخُلُ عَلَيَّ فِي الَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ شَيْءٌ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ قَالَ وَمَا هُوَ‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يُحَارِبُونَ فَيَمْتَنِعُونَ فِي مَدِينَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ وَيَأْتُونَ الْحُدُودَ‏؟‏ قَالَ يُقَامُ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ قُلْت وَلِمَ وَقَدْ مَنَعُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ دَارَهُمْ وَمَوَاضِعَهُمْ حَتَّى صَارُوا لاَ تَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ‏؟‏ وَإِنْ كُنْت إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الْحُكْمَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ امْتِنَاعُ الدَّارِ فَهَؤُلاَءِ مَنَعُوا الدَّارَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهَا حُكْمٌ وَقَدْ أَجْرَيْت عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ فَلِمَ أَجْرَيْته عَلَى قَوْمٍ فِي دَارٍ مَمْنُوعَةٍ مِنْ الْقَوْمِ وَأَسْقَطْته عَنْ آخَرِينَ‏؟‏ وَإِنْ كُنْت قُلْت يَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ مُتَأَوِّلُونَ مَعَ الْمَنْعِيَّةِ مُشْبَهٌ عَلَيْهِمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَا صَنَعُوا مُبَاحٌ لَهُمْ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ الَّذِينَ أَسْقَطْت عَنْهُمْ الْحُدُودَ يَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ‏؟‏ فَإِنَّمَا قُلْت هَذَا فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقْتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تَقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ قُلْت لَهُ أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ وَيُحْتَمَلُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ يُحْتَمَلُ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الآيَةِ دَلاَلَةٌ عَلَيْهِ وَالْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا حَتَّى تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَلَى بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قُلْت لَهُ وَمَنْ قَالَ بِبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ بِلاَ دَلاَلَةٍ لَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ مُخَالِفٌ لِلآيَةِ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ فَأَنْتَ إذًا تُخَالِفُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ فَزَعَمْت فِي هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّك تَطْرَحُهُ عَنْ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ بِأَنْ يَكُونُوا فِي دَارٍ مُمْتَنِعَةٍ وَلَمْ تَجِدْ دَلاَلَةً عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ إجْمَاعٍ فَتُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِلاَ دَلاَلَةٍ وَتَخُصُّهُمْ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لاَ يَنْبَغِي لِقَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَحْكُمَ فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَحُقُوقِ النَّاسِ وَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ قَاضٍ لِأَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَرُدَّ مِنْ حُكْمِهِ إلَّا مَا يَرُدُّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ قُضَاةِ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْ حَكَمَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلاَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ كِتَابَهُ خَوْفَ اسْتِحْلاَلِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِمَا لاَ يَحِلُّ لَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ عَلَى اسْتِحْلاَلِ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ امْرِئٍ أَوْ دَمِهِ لَمْ يَحِلَّ قَبُولُ كِتَابِهِ وَلاَ إنْفَاذُ حُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ أَكْثَرُ مِنْ كِتَابِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنَفَّذَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَيُرَدَّ كِتَابُهُ وَهُوَ الْأَقَلُّ‏؟‏ وَقَالَ مَنْ خَالَفَنَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ وَإِذَا قَتَلَ الْبَاغِي لَمْ يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ هُمَا سَوَاءٌ يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلاَنِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فَقَالَ لاَ يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا قَاتِلاَنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لاَ يَتَوَارَثَانِ وَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ وَرَثَتِهِمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ مَنْ خَالَفَنَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْت لَهُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزَّ بِالْإِسْلاَمِ أَهْلَهُ فَخَوَّلَهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ بِخِلاَفِ دِينِهِ فَجَعَلَهُمْ صِنْفَيْنِ صِنْفًا مَرْقُوقِينَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَصِنْفًا مَأْخُوذًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا فِيهِ لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ الْمَنْفَعَةُ صَغَارًا غَيْرَ مَأْجُورِينَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَنَالُوا نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ وَأَبَاحَ نِسَاءَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ زَعَمْت أَنْ لاَ يَذْبَحَ النُّسُكَ إذَا كَانَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَيْفَ أَجَزْت أَنْ تَجْعَلَ الْمُشْرِكَ فِي مَنْزِلَةٍ يَنَالُ بِهَا مُسْلِمًا حَتَّى يَسْفِكَ بِهَا دَمَهُ وَأَنْتَ تَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ تُسَلِّطَهُ عَلَى شَاتِه الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ‏؟‏ قَالَ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ هُوَ الظَّاهِرُ قُلْت‏:‏ وَالْمُشْرِكُ هُوَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ قَدْ مَضَى عَنْهُ الْحُكْمُ وَصَيَّرْتَ حَتْفَهُ بِيَدَيْ مَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَعَلَّهُ يَقْتُلُهُ بِعَدَاوَةِ الْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ تَسْتَحِلُّ أَنْتَ فِيهَا قَتْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت قَاضِيًا إنْ اسْتَقْضَى تَحْتَ يَدِهِ قَاضِيًا هَلْ يُوَلِّي ذِمِّيًّا مَأْمُونًا أَنْ يَقْضِيَ فِي حُزْمَةِ بَقْلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ قَضَاءَهُ فَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ رَدَّهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت وَلِمَ‏؟‏ وَحُكْمُ الْقَاضِي الظَّاهِرُ‏؟‏ قَالَ وَإِنْ‏.‏ فَإِنْ عَظِيمًا أَنْ يَنْفُذَ عَلَى مُسْلِمٍ شَيْءٌ بِقَوْلِ ذِمِّيٍّ قُلْت‏:‏ إنَّهُ بِأَمْرِ مُسْلِمٍ، قَالَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالذِّمِّيُّ مَوْضِعُ حَاكِمٍ فَقُلْت لَهُ أَفَتَجِدُ الذِّمِّيَّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ قَاتِلاً فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يَصِلُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَتْلٍ إنْ رَآهُ وَلاَ كَفَّ‏؟‏ قَالَ إنَّ هَذَا كَمَا وَصَفْت وَلَكِنَّ أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قُلْت‏:‏ وَنَحْنُ نَقُولُ لَك اسْتَعِنْ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُشْرِكِينَ عِزٌّ مُحَرَّمٌ أَنْ نُذِلَّهُ وَلاَ حُرْمَةٌ حُرِّمَتْ إلَّا أَنْ نَسْتَبْقِيَهَا كَمَا يَكُونُ فِي أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي الْحَرْبِ كَانَ أَنْ يَمْضُوا حُكْمًا فِي حُزْمَةِ بَقْلٍ أَجْوَزْ وَقُلْت لَهُ‏:‏ مَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ أَقَاوِيلِك قَالَ فِي أَيِّ شَيْءٍ‏؟‏ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَيَا وَلَذَا جَعَلْت الْوَلَدَ لِلْمُسْلِمِ وَحُجَّتُهُمَا فِيهِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلاَمَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَصِفَ الْوَلَدَ الْإِسْلاَمُ‏.‏

وَزَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ إذَا أَسْلَمَ كَانَ الْوَلَدُ مَعَ أَيِّهِمَا أَسْلَمَ تَعْزِيرًا لِلْإِسْلاَمِ فَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقُولُ هَذَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا تُسَلِّطُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ‏.‏

كِتَابُ السَّبْقِ وَالنِّضَال

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ‏:‏ جِمَاعُ مَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُهُ مِنْ جِنَايَاتِهِمْ وَجِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِالزَّكَاةِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمَا أَوْجَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ الْعِوَضَ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ لِلثَّوَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا أَعْطَوْا مُتَطَوِّعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الْتِمَاسَ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْآخَرُ طَلَبُ الِاسْتِحْمَادِ مِمَّنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ وَكِلاَهُمَا مَعْرُوفٌ حَسَنٌ وَنَحْنُ نَرْجُو عَلَيْهِ الثَّوَابَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ مَا أَعْطَى النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَاحِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ فَمَا أَعْطَوْا مِنْ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ وَلاَ لِمَنْ أَعْطَوْهُ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏ فَالْحَقُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْت يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ وَعَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا خَالَفَهُ، وَأَصْلُ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا نَدَبَ إلَيْهِ أَهْلَ دِينِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ‏}‏ فَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ الْقُوَّةَ هِيَ الرَّمْيُ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوَجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ أَوْ خُفٍّ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ سَبَقَ إلَّا فِي حَافِرٍ أَوْ خُفٍّ» قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي النَّصْلِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ حَلاَلٌ‏:‏ قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ كُلَّ نَصْلٍ رُمِيَ بِهِ مِنْ سَهْمٍ أَوْ نُشَّابَةٍ أَوْ مَا يَنْكَأُ الْعَدُوُّ نِكَايَتَهُمَا وَكُلَّ حَافِرٍ مِنْ خَيْلٍ وَحَمِيرٍ وَبِغَالٍ وَكُلَّ خُفٍّ مِنْ إبِلٍ بُخْتٍ أَوْ عِرَابٍ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ السَّبَقُ‏.‏

وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا فِي هَذَا‏:‏ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي مَعْنَى مَا نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ وَحَمِدَ عَلَيْهِ أَهْلَ دِينِهِ مِنْ الْإِعْدَادِ لِعَدُوِّهِ الْقُوَّةَ وَرِبَاطَ الْخَيْلِ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى «فَمَا أَوَجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ» لِأَنَّ هَذِهِ الرِّكَابَ لَمَّا كَانَ السَّبَقُ عَلَيْهَا يُرَغِّبُ أَهْلَهَا فِي اتِّخَاذِهَا لِآمَالِهِمْ إدْرَاكَ السَّبَقِ فِيهَا وَالْغَنِيمَةِ عَلَيْهَا كَانَتْ مِنْ الْعَطَايَا الْجَائِزَةِ بِمَا وَصَفْتهَا فَالِاسْتِبَاقُ فِيهَا حَلاَلٌ وَفِيمَا سِوَاهَا مُحَرَّمٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً سَابَقَ رَجُلاً عَلَى أَنْ يَتَسَابَقَا عَلَى أَقْدَامِهِمَا أَوْ سَابَقَهُ عَلَى أَنْ يَعْدُوَ إلَى رَأْسِ جَبَلٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْدُوَ فَيَسْبِقَ طَائِرًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُصِيبَ مَا فِي يَدَيْهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ فِي يَدِهِ شَيْئًا فَيَقُولَ لَهُ ارْكِنْ فَيَرْكَنُ فَيُصِيبُهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَى قَدَمَيْهِ سَاعَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُصَارِعَ رَجُلاً، أَوْ عَلَى أَنْ يُدَاحِيَ رَجُلاً بِالْحِجَارَةِ فَيَغْلِبَهُ كَانَ هَذَا كُلُّهُ غَيْرَ جَائِزٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعَانِي الْحَقِّ الَّذِي حَمِدَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِمَا يَحِلُّ فِيهِ السَّبَقُ وَدَاخِلٌ فِي مَعْنَى مَا حَظَرَتْهُ السُّنَّةُ إذْ نَفَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ وَدَاخِلٍ فِي مَعْنَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أَخَذَ الْمُعْطِي عَلَيْهِ عِوَضًا وَلاَ لَزِمَهُ بِأَصْلِ حَقٍّ وَلاَ أَعْطَاهُ طَلَبًا لِثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ لِمَحْمَدَةِ صَاحِبِهِ بَلْ صَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ غَيْرَ حَامِدٍ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ فَعَلَى هَذَا عَطَايَا النَّاسِ وَقِيَاسُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالْأَسْبَاقُ ثَلاَثَةٌ سَبَقٌ يُعْطِيه الْوَالِي أَوْ الرَّجُلُ غَيْرُ الْوَالِي مِنْ مَالٍ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَبِّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ مِنْ غَايَةٍ إلَى غَايَةٍ فَيَجْعَلَ لِلسَّابِقِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِقَدْرِ مَا أَرَى فَمَا جَعَلَ لَهُمْ كَانَ لَهُمْ عَلَى مَا جَعَلَ لَهُمْ وَكَانَ مَأْجُورًا، عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ وَحَلاَلاً لِمَنْ أَخَذَهُ‏.‏ وَهَذَا وَجْهٌ لَيْسَتْ فِيهِ عِلَّةٌ‏.‏

وَالثَّانِي يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلاَنِ يُرِيدَانِ يَسْتَبِقَانِ بِفَرَسَيْهِمَا وَلاَ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَ صَاحِبَهُ وَيُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَا سَبَقَيْنِ مِنْ عِنْدِهِمَا وَهَذَا لاَ يَجُوزُ حَتَّى يُدْخِلاَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلاً، وَالْمُحَلِّلُ فَارِسٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ فَارِسٍ وَلاَ يَجُوزُ الْمُحَلِّلُ حَتَّى يَكُونَ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ لاَ يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِائَةً مِائَةً أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَيَتَوَاضَعَانِهَا عَلَى يَدَيْ مَنْ يَثِقَانِ بِهِ أَوْ يَضْمَنَانِهَا وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا الْمُحَلِّلُ كَانَ مَا أَخْرَجَا جَمِيعًا لَهُ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْمُحَلِّلَ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْهَادِي أَوْ بَعْضِهِ أَوْ بِالْكَتَدِ أَوْ بَعْضِهِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ الْهَادِي عُنُقُ الْفَرَسِ وَالْكَتَدُ كَتِفُ الْفَرَسِ وَالْمُصَلِّي هُوَ الثَّانِي وَالْمُحَلِّلُ هُوَ الَّذِي يَرْمِي مَعِي وَمَعَك وَيَكُونُ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ فَإِنْ سَبَقَنَا الْمُحَلِّلُ أَخَذَ مِنَّا جَمِيعًا وَإِنْ سَبَقْنَاهُ لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ وَسَبَقَهُ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ مِنْهُ السَّبَقَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنِّي لِأَنِّي قَدْ أَخَذْت سَبَقِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الِاثْنَيْنِ هَكَذَا فَسَوَاءٌ لَوْ كَانُوا مِائَةً أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا يُخْرِجُ صَاحِبُهُ وَأَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مُحَلِّلاً إنْ سَبَقَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ فِي السَّبَقِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَمَا يَجْرِي فَإِنْ سَبَقَ غَنِمَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَغْرَمْ وَهَكَذَا هَذَا فِي الرَّمْيِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُ الْفَارِسَيْنِ صَاحِبَهُ فَيَكُونَ السَّبَقُ مِنْهُ دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ كَانَ لَهُ السَّبَقُ وَإِنْ سَبَقَ صَاحِبُهُ لَمْ يَغْرَمْ صَاحِبُهُ شَيْئًا وَأَحْرَزَ هُوَ مَالَهُ وَسَوَاءٌ لَوْ أَدْخَلَ مَعَهُ عَشَرَةً هَكَذَا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَبَقًا وَيُدْخِلاَنِ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلاً إلَّا وَالْغَايَةُ الَّتِي يَجْرِيَانِ مِنْهَا وَالْغَايَةُ الَّتِي يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

مَا ذُكِرَ فِي النِّضَالِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالنِّضَالُ فِيمَا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَالثَّالِثُ بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ كَهُوَ فِي الْخَيْلِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْأَصْلِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَازَ فِي الْآخَرِ وَيَرِدُ فِيهِمَا مَا يَرِدُ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يَتَفَرَّعَانِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ عِلَلُهُمَا اخْتَلَفَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ عَلَى أَنْ يَجْعَلاَ بَيْنَهُمَا قَرَعًا مَعْرُوفًا خَوَاسِقَ أَوْ حَوَابِي فَهُوَ جَائِزٌ إذَا سَمَّيَا الْغَرَضَ الَّذِي يَرْمِيَانِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَتَشَارَطَا ذَلِكَ مُحَاطَّةٌ أَوْ مُبَادَرَةً فَإِذَا تَشَارَطَاهُ مُحَاطَّةٌ فَكُلَّمَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا بِعَدَدٍ وَأَصَابَ الْآخَرُ بِمِثْلِهِ سَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ وَاسْتَأْنَفَا عَدَدًا كَأَنَّهُمَا أَصَابَا بِعَشَرَةِ أَسْهُمٍ عَشَرَةً سَقَطَتْ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ وَلاَ شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلاَ يَعْتَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِالْفَضْلِ مِنْ إصَابَتِهِ عَلَى إصَابَةِ صَاحِبِهِ وَهَذَا مِنْ حِينِ يَبْتَدِئَانِ السَّبْقَ إلَى أَنْ يَفْرُغَا مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلُ عِشْرِينَ سَهْمًا ثُمَّ أَصَابَ مَعَهُ صَاحِبُهُ بِسَهْمٍ حُطَّ مِنْهُمَا سَهْمٌ ثُمَّ كُلَّمَا أَصَابَ حَطَّهُ حَتَّى يَخْلُصَ لَهُ فَضْلُ الْعَدَدِ الَّذِي شَرَطَ فَيَنْضُلَهُ‏.‏

وَإِنْ وَقَفَ وَقَرَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ عِشْرِينَ خَاسِقًا وَلَهُ فَضْلُ تِسْعَةَ عَشْرَ فَأَصَابَ بِسَهْمٍ وَقَّفْنَا الْمَفْلُوجَ وَأَمَرْنَا الْآخَرَ بِالرَّمْيِ حَتَّى يُنَفِّذَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا فِي رَشْقِهَا فَإِنْ حَطَّهُ الْمَفْلُوجُ عَلَيْهِ بَطَلَ فَلْجُهُ وَإِنْ أَنْفَدَ مَا فِي يَدَيْهِ وَلِلْآخِرِ فِي ذَلِكَ الرَّشْقِ عِشْرُونَ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ وَكَانَ قَدْ فَلَجَ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنْ تَشَارَطَا أَنَّ الْقَرَعَ بَيْنَهُمَا حَوَابٍ كَانَ الْحَابِي قُرْعَةً وَالْخَاسِقُ قُرْعَتَيْنِ وَيَتَقَايَسَانِ إذَا أَخْطَآ فِي الْوَجْهِ مَعًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ صَاحِبِهِ بِسَهْمٍ فَأَكْثَرُ عَدَدِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ أَقْرَبُ بِأَسْهُمٍ بَطَلَتْ أَسْهُمُهُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ بِهِ لاَ يُعَدُّ الْقُرْبُ لِوَاحِدٍ وَلاَ أَكْثَرَ وَثُمَّ وَاحِدٌ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ بِسَهْمٍ حَسَبْنَاهُ لَهُ وَالْآخَرُ أَقْرَبَ بِخَمْسَةٍ أَسْهُمٍ بَعْدَ ذَلِكَ السَّهْمِ لَمْ نَحْسُبْهَا لَهُ إنَّمَا نَحْسُبُ لَهُ الْأَقْرَبَ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ حَسَبْنَاهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ بِأَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْآخَرُ بَعْدَهُ أَقْرَبُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُهُمَا أَقْرَبُ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مِنْ الْخَمْسَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِمُنَاضِلِهِ سَهْمًا أَقْرَبَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ بِأَسْهُمٍ فَأَصَابَ صَاحِبُهُ بَطَلَ الْقُرْبُ لِأَنَّ الْمُصِيبَ أَوْلَى مِنْ الْقَرِيبِ إنَّمَا يُحْسَبُ الْقَرِيبُ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمُصِيبِ وَلَكِنْ إنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَخْلَى الْآخَرُ حُسِبَ لِلْمُصِيبِ صَوَابُهُ ثُمَّ نَظَرَ فِي حوابيهما فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُصِبْ أَقْرَبَ بَطَلَ قُرْبُهُ بِمُصِيبِ مُنَاضِلِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُصِيبُ أَقْرَبَ حُسِبَ لَهُ مِنْ نَبْلِهِ مَا كَانَ أَقْرَبَ مَعَ مُصِيبِهِ لِأَنَّا إذَا حَسَبْنَا لَهُ مَا قَرُبَ مِنْ نَبْلِهِ مَعَ غَيْرِ مُصِيبِهِ كَانَتْ مَحْسُوبَةً مَعَ مُصِيبِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِ الرَّمْيِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَقَايَسُونَ فِي الْقُرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْعَظْمِ، وَمَوْضِعُ الْعَظْمِ وَسَطُ الشَّنِّ وَالْأَرْضِ وَلَسْتُ أَرَى هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَقَارَبُوا إلَى الشَّنِّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّنَّ مَوْضِعُ الصَّوَابِ وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَنْ يُقَايِسُ بَيْنَ النَّبْلِ فِي الْوَجْهِ والعواضد يَمِينًا وَشِمَالاً مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْهَدَفَ فَإِذَا جَاوَزَ الْهَدَفَ أَوْ الشَّنَّ أَوْ كَانَ مَنْصُوبًا أَلْغَوْهَا فَلَمْ يُقَايِسُوا بِهَا مَا كَانَ عَضُدًا أَوْ كَانَ فِي الْوَجْهِ وَلاَ يَجُوزُ هَذَا فِي الْقِيَاسُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَاسَ بِهِ خَارِجًا أَوْ سَاقِطًا أَوْ عَاضِدًا أَوْ كَانَ فِي الْوَجْهِ وَهَذَا فِي الْمُبَادَرَةِ مِثْلُهُ فِي الْمُحَاطَّةِ لاَ يَخْتَلِفَانِ، وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا ثُمَّ يُحْسَبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ إنْ تَشَارَطُوا الصَّوَابَ وحوابيه إنْ تَشَارَطُوا الحوابي مَعَ الصَّوَابِ ثُمَّ أَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ الْحَابِي الَّذِي يُصِيبُ الْهَدَفَ وَلاَ يُصِيبُ الشَّنَّ فَإِذَا تَقَايَسَا بالحوابي فَاسْتَوَى حَابَيَاهُمَا تباطلا فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَمْ يَتَعَادَّا لِأَنَّا إنَّمَا نُعَاد مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا كَانَ أَقْرَبَ بِهِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَقْرَبَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ أَوْ سَبَقَ رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ الرُّمَاةِ مَنْ يَقُولُ صَاحِبُ السَّبَقِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأ وَالْمُسْبَقُ يُبْدِئُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلاَ يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَتَشَارَطَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ اقْتَرَعَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَرْمِيَا إلَّا عَنْ شَرْطٍ وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا مِنْ وَجْهٍ بَدَأَ الْآخَرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيهِ وَيَرْمِي الْبَادِئُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ بِسَهْمٍ حَتَّى يَنْفَدَ نَبْلُهُمَا وَإِذَا عَرِقَ أَحَدُهُمَا فَخَرَجَ السَّهْمُ مِنْ يَدِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَهَقَ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ فِيهِ أَعَادَهُ فَرَمَى بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ أَوْ انْكَسَرَ قَوْسُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَهُ فَعَرَضَ دُونَهُ دَابَّةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَأَصَابَهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اضْطَرَبَتْ بِهِ يَدَاهُ أَوْ عَرَضَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مَا لاَ يَمْضِي مَعَهُ السَّهْمُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ، فَأَمَّا إنْ جَازَ وَأَخْطَأَ الْقَصْدَ فَرَمَى فَأَصَابَ النَّاسَ أَوْ أَجَازَ مِنْ وَرَائِهِمْ فَهَذَا سُوءُ رَمْيٍ مِنْهُ لَيْسَ بِعَارِضٍ غَلَبَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ، وَإِذَا كَانَ رَمْيُهُمَا مُبَادَرَةً فَبَدَأَ أَحَدُهُمَا فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشْرَ مِنْ عِشْرِينَ رَمَى صَاحِبُهُ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُرَاسَلُهُ بِهِ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ فَإِنْ أَصَابَ بِسَهْمِهِ ذَلِكَ فَلَجَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْمِ الْآخَرُ بِالسَّهْمِ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَقِ مُبَادَرَةٌ وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَتْ كَالْمُحَاطَةِ‏.‏

وَإِذَا تَشَارَطَا الخواسق فَلاَ يُحْسَبْ لِرَجُلٍ خَاسِقٌ حَتَّى يَخْرِقَ الْجِلْدَ وَيَكُونَ مُتَعَلِّقًا مِثْلَهُ، وَإِنْ تَشَارَطَا الْمُصِيبَ فَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ وَلَمْ يَخْرِقْهُ حُسِبَ لَهُ لِأَنَّهُ مُصِيبٌ، وَإِذَا تَشَارَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِهَدَفٍ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَثْبُتْ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ مِنْ حَصَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذَ بِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الشَّنُّ بَالِيًا فِيهِ خُرُوقٌ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخُرُوقِ فَغَابَ فِي الْهَدَفِ فَهُوَ مُصِيبٌ، وَإِنْ لَمْ يَغِبْ فِي الْهَدَفِ وَلَمْ يَسْتَمْسِكْ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّنِّ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُصَابِ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينه‏.‏

فَإِنْ أَصَابَ طَرَفًا مِنْ الشَّنِّ فَخَرَمَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ يُحْسَبُ لَهُ خَاسِقًا إذَا كَانَ شَرْطُهُمَا الخواسق إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّنِّ طَغْيَةٌ أَوْ خَيْطٌ أَوْ جِلْدٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الشَّنِّ يُحِيطُ بِالسَّهْمِ فَيَكُونُ يُسَمَّى بِذَلِكَ خَاسِقًا لِأَنَّ الْخَاسِقَ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الشَّنِّ وَقَلِيلُ ثُبُوتِهِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَلاَ يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا وَجَّهُوا بِأَنْ يُقَالَ هَذَا خَاسِقٌ إلَّا أَنَّ الْخَاسِقَ مَا أَحَاطَ بِهِ الْمَخْسُوقُ فِيهِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ خَارِمٌ لاَ خَاسِقٌ‏.‏

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَاسِقُ قَدْ يَقَعَ بِالِاسْمِ عَلَى مَا أَوْهَى الصَّحِيحَ فَخَرَقَهُ فَإِذَا خَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِبَعْضِ النَّصْلِ فَهُوَ خَاسِقٌ لِأَنَّ الْخَسْقَ الثَّقْبُ وَهَذَا قَدْ ثَقَبَ وَإِنْ خَرَمَ‏.‏

وَإِنْ كَانَ السَّهْمُ ثَابِتًا فِي الْهَدَفِ وَعَلَيْهِ جِلْدَةٌ مِنْ الشَّنِّ أَوْ طَغْيَةٌ لَيْسَتْ بِمُحِيطَةٍ فَقَالَ الرَّامِي خَرَقَ هَذِهِ الْجِلْدَةَ فَانْخَرَمَتْ أَوْ هَذِهِ الطَّغْيَةُ فَانْخَرَمَتْ، وَقَالَ الْمَخْسُوقُ عَلَيْهِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْهَدَفِ مُتَغَلْغِلاً تَحْتَ هَذِهِ الْجِلْدَةِ أَوْ الطَّغْيَةِ اللَّتَيْنِ هُمَا طَائِرَتَانِ عَمَّا سِوَاهُمَا مِنْ الشَّنِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلاَ يُحْسَبُ هَذَا خَاسِقًا بِحَالٍ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي الشَّنِّ خَرْقٌ فَأَثْبَتَ السَّهْمَ فِي الْخَرْقِ ثُمَّ ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ كَانَ خَاسِقًا لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ فَالشَّنُّ أَضْعَفُ مِنْهُ‏.‏

وَلَوْ كَانَ الشَّنُّ مَنْصُوبًا فَرَمَى فَأَصَابَ ثُمَّ مَرَقَ السَّهْمُ فَلَمْ يَثْبُتْ كَانَ عِنْدِي خَاسِقًا، وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ لاَ يَعُدَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الرَّامِي أَصَابَ وَمَارَ فَخَرَجَ وَقَالَ الْمُرْمَى عَلَيْهِ لَمْ يُصِبْ أَوْ أَصَابَ حَرْفَ الشَّنِّ بِالْقِدْحِ ثُمَّ مَضَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ‏.‏

وَلَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ ثُمَّ ازْدَلَفَ فَخَرَقَ الشَّنَّ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرُّمَاةُ فَمِنْهُمْ مِنْ أَنْبَتَهُ خَاسِقًا وَقَالَ بِالرَّمْيَةِ أَصَابَ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ دُونَهَا شَيْءٌ فَقَدْ مَضَى بِالنَّزْعَةِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا لاَ يُحْسَبُ لَهُ لِأَنَّهُ اسْتَحْدَثَ بِضَرْبَتِهِ الْأَرْضَ شَيْئًا أَحْمَاهُ فَهُوَ غَيْرُ رَمْيِ الرَّامِي وَلَوْ أَصَابَ وَهُوَ مُزْدَلِفٌ فَلَمْ يَخْسِقْ وَشَرْطُهُمْ الخواسق لَمْ يُحْسَبْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ خَاسِقًا، وَلَوْ كَانَ شَرْطُهُمَا الْمُصِيبَ حُسِبَ فِي قَوْلِ مَنْ يَحْسُبُ الْمُزْدَلِفَ وَسَقَطَ فِي قَوْلِ مَنْ يُسْقِطُهُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ الْمُزْدَلِفُ الَّذِي يُصِيبُ الْأَرْضَ ثُمَّ يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ فَيُصِيبُ الشَّنَّ، وَلَوْ كَانَ شَرْطُهُمْ الْمُصِيبَ فَأَصَابَ السَّهْمُ حِينَ تَفَلَّتَ غَيْرَ مُزْدَلَفِ الشَّنِّ بِقِدْحِهِ دُونَ نَصْلِهِ لَمْ يُحْسَبْ لِأَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّصْلِ دُونَ الْقِدْحِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُفَارِقًا لِلشَّنِّ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَصَرَفَتْهُ فَأَصَابَ حُسِبَ لَهُ مُصِيبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَرَفْته عَنْ الشَّنِّ وَقَدْ أَرْسَلَهُ مُصِيبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْرَعْت بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ قَاصِرًا فَأَصَابَ حُسِبَ مُصِيبًا، وَلَوْ أَسْرَعْت بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ مُصِيبًا فَأَخْطَأَ كَانَ مُخْطِئًا وَلاَ حُكْمَ لِلرِّيحِ يُبْطِلُ شَيْئًا وَلاَ يَحِقُّهُ لَيْسَتْ كَالْأَرْضِ وَلاَ كَالدَّابَّةِ يُصِيبُهَا ثُمَّ يَزْدَلِفُ عَنْهَا فَيُصِيبُ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الشَّنِّ شَيْءٌ مَا كَانَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَهَتَكَهُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حَتَّى يُصِيبَ الشَّنَّ حُسِبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ وَهَتْكَهُ لَمْ يُحْدِثْ لَهُ قُوَّةً غَيْرَ النَّزْعِ إنَّمَا أَحْدَثَ فِيهِ ضَعْفًا‏.‏

وَلَوْ رَمَى وَالشَّنُّ مَنْصُوبٌ فَطَرَحَتْ الرِّيحُ الشَّنَّ أَوْ أَزَالَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ يَقَعُ سَهْمَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِذَلِكَ السَّهْمَ لِأَنَّ الرَّمْيَةَ زَالَتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ الشَّنُّ عَنْ مَوْضِعِهِ بِرِيحٍ أَوْ إزَالَةِ إنْسَانٍ بَعْدَ مَا أَرْسَلَ السَّهْمَ فَأَصَابَ الشَّنَّ حَيْثُ زَالَ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ، وَلَكِنَّهُ لَوْ أُزِيلَ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَرْمِيَاهُ حَيْثُ أُزِيلَ حُسِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ، وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ فَانْكَسَرَ سَهْمُهُ أَوْ خَرَجَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ لَهُ خَاسِقًا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ وَهَذَا كَنَزْعِ الْإِنْسَانِ إيَّاهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُ‏.‏

وَلَوْ تَشَارَطَا أَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّنِّ خَاصَّةً فَكَانَ لِلشَّنِّ وَتَرٌ يُعَلَّقُ بِهِ أَوْ جَرِيدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ فَأَثْبَتَ السَّهْمَ فِي الْوَتَرِ أَوْ فِي الْجَرِيدِ لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الشَّنُّ فَهُوَ غَيْرُ الشَّنِّ، وَلَوْ لَمْ يَتَشَارَطَا فَأَثْبَتَ فِي الْجَرِيدِ أَوْ فِي الْوَتَرِ كَانَ فِيهِمَا قُولاَنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ اسْمَ الشَّنِّ وَالصَّوَابُ لاَ يَقَع عَلَى الْمِعْلاَقِ لِأَنَّهُ يُزَايِلُ الشَّنَّ فَلاَ يَضُرُّ بِهِ وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ لِيُرْبَطَ بِهِ كَمَا يُتَّخَذُ الْجِدَارُ لِيُسْنَدَ إلَيْهِ وَقَدْ يُزَايِلُهُ فَتَكُونُ مُزَايَلَتُهُ غَيْرَ إخْرَابٍ لَهُ وَيُحْسَبُ مَا ثَبَتَ فِي الْجَرِيدِ إذَا كَانَ الْجَرِيدُ مَخِيطًا عَلَيْهِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْجَرِيدِ لاَ يَكُونُ إلَّا بِضَرَرٍ عَلَى الشَّنِّ، وَيُحْسَبُ مَا ثُبِّتَ فِي عُرَى الشَّنِّ الْمَخْرُوزَةِ عَلَيْهِ وَالْعَلَّاقَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُحْسَبَ أَيْضًا مَا يُثَبَّتُ فِي الْعَلَّاقَةِ مِنْ الخواسق لِأَنَّهَا تَزُولُ بِزَوَالِهِ فِي حَالِهَا تِلْكَ قَالَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلَ الْحُسْبَانِ لِأَنَّ كُلَّهَا نَبْلٌ وَكَذَلِكَ الْقِسِيُّ الدُّودانِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَكُلُّ قَوْسٍ يُرْمَى عَنْهَا بِسَهْمٍ ذِي نَصْلٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَ رَجُلاَنِ عَلَى أَنَّ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي يَدِ الْآخَرِ وَلاَ عَلَى أَنَّهُ إذَا خَسَقَ أَحَدُهُمَا حُسِبَ خَاسِقُهُ خَاسِقَيْنِ وَخَاسِقُ الْآخَرِ وَلاَ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا خَاسِقًا ثَابِتًا لَمْ يَرْمِ بِهِ يُحْسَبُ مَعَ خواسقه وَلاَ عَلَى أَنَّهُ يُطْرَحُ مِنْ خَوَاسِقُ أَحَدِهِمَا خَاسِقٌ وَلاَ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَرْمِي مِنْ عَرْضٍ وَالْآخَرَ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا إلَّا مِنْ عَرْضٍ وَاحِدٍ وَبِعَدَدِ نَبْلٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَسْتَبِقَا إلَى عَدَدِ قُرَعٍ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أُسَابِقُك عَلَى أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ خَاسِقًا فَأَكُونُ نَاضِلاً إنْ لَمْ تَأْتِ بِعِشْرِينَ وَلاَ تَكُونُ نَاضِلاً إنْ جِئْت بِعِشْرِينَ قَبْلَ أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى يَكُونَا مُسْتَوِيَيْنِ مَعًا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنْ لاَ يَرْمِيَ إلَّا بِنَبْلٍ بِأَعْيَانِهَا إنْ تَغَيَّرَتْ لَمْ يُبَدِّلْهَا وَلاَ إنْ أَنْفَذَ سَهْمًا أَنْ لاَ يُبَدِّلَهُ وَلاَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِقَوْسٍ بِعَيْنِهَا لاَ يُبَدِّلُهَا وَلَكِنْ يَكُونُ ذَلِكَ إلَى الرَّامِي يُبَدِّلُ مَا شَاءَ مِنْ نَبْلِهِ وَقَوْسِهِ مَا كَانَ عَدَدُ النَّبْلِ وَالْغَرَضِ وَالْقَرَعِ وَاحِدًا، وَإِنْ انْتَضَلاَ فَانْكَسَرَتْ نَبْلُ أَحَدِهِمَا أَوْ قَوْسُهُ أُبْدِلَ نَبْلاً وَقَوْسًا، وَإِنْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أُبْدِلَ وَتَرًا مَكَانَ وَتَرِهِ، وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا سَمَّى قُرَعًا يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أَوْ يتحاطانه فَكَانَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ بَيْنَهُمَا زِيَادَةُ سَهْمٍ كَانَ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقُرَعِ مَا شَاءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقُرَعِ مَا لَمْ يَكُونَا سَوَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا إذَا رَمَيَا عَلَى عَدَدِ قُرَعٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْبَقِ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُجْعَلَ خَاسِقٌ فِي السَّوَادِ بِخَاسِقَيْنِ فِي الْبَيَاضِ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ الخواسق لاَ تَكُونُ إلَّا فِي السَّوَادِ، فَيَكُونُ بَيَاضُ الشَّنِّ كَالْهَدَفِ لاَ يُحْسَبُ خَاسِقًا وَإِنَّمَا يُحْسَبُ حَابِيًا وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا مَعْلُومًا فَلاَ يَبْلُغَانِهِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ الَّذِي فِي يَدِك فَقَدْ نَضَلْت إلَّا أَنْ يَتَنَاقَضَا السَّبَقَ الْأَوَّلَ ثُمَّ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلاً مَعْرُوفًا عَلَى أَنْ يُصِيبَ بِسَهْمٍ وَلاَ بَأْسَ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ فَيَقُولَ إنْ أَصَبْت بِسَهْمٍ فَلَكَ كَذَا وَإِنْ أَصَبْت بِأَسْهُمٍ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ أَصَابَ بِهَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ بِهَا فَلاَ شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا سَبَقٌ عَلَى غَيْرِ نِضَالٍ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهُ ارْمِ عَشَرَةَ أَرْشَاقٍ فَنَاضِلِ الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ فَلَكَ سَبَقُ كَذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا خَيْرٌ لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ وَإِذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَأَصَابَ النَّصْلَ حُسِبَ خَاسِقًا وَإِنْ سَقَطَ الشِّقُّ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ دُونَ الشَّنِّ وَأَصَابَ بِالْقِدْحِ الَّذِي لاَ نَصْلَ فِيهِ لَمْ يُحْسَبْ وَلَوْ انْقَطَعَ بِاثْنَيْنِ فَأَصَابَ بِهِمَا مَعًا حُسِبَ لَهُ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ وَأُلْغِيَ عَنْهُ الْآخَرُ‏.‏

وَلَوْ كَانَ فِي الشَّنِّ نَبْلٌ فَأَصَابَ بِسَهْمِهِ فَوْقَ سَهْمٍ مِنْ النَّبْلِ وَلَمْ يَمْضِ سَهْمُهُ إلَى الشَّنِّ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْ الشَّنَّ وَأُعِيد عَلَيْهِ فَرَمَى بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَضَ لَهُ دُونَ الشَّنِّ عَارِضٌ كَمَا تَعْرِضُ لَهُ الدَّابَّةُ فَيُصِيبُهَا فَيُعَادُ عَلَيْهِ وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ فَرَمَى مَعَهُ ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَجْلِسَ فَلاَ يَرْمِي مَعَهُ وَلِلْمُسْبَقِ فَضْلٌ أَوْ لاَ فَضْلَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ فَضْلٌ فَسَوَاءٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ وَيَكُونُ لَهُ الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ، وَالرُّمَاةُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَا لَمْ يَنْضُلْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُول هُوَ شَيْءٌ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ غَايَةٍ تُعْرَفُ وَقَدْ لاَ يَسْتَحِقُّهُ وَيَكُونُ مَنْضُولاً وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِمَّا عَمِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ بِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَحْسَبُ الْعُذْرَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَمْرَضَ الْمَرَضَ الَّذِي يَضُرُّ بِالرَّمْيِ أَوْ يُصِيبُهُ بَعْضَ ذَلِكَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ بَصَرِهِ وَيَنْبَغِي إذَا قَالُوا لَهُ هَذَا أَنْ يَقُولُوا فَمَتَى تَرَاضَيَا عَلَى أَصْلِ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ فَلاَ يَجُوزُ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْبَقَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا جَلَسَ بِهِ كَانَ السَّبَقُ لَهُ بِهِ لِأَنَّ السَّبَقَ عَلَى النَّضْلِ وَالنَّضْلُ غَيْرُ الْجُلُوسِ وَهَذَانِ شَرْطَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَبَقَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا عَلَيْهِ ثُمَّ شَرَطَ هَذَا بَعْدَ السَّبَقِ سَقَطَ الشَّرْطُ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَرْمِي مَعَك بِلاَ عَدَدِ قُرَعٍ يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أَوْ يتحاطانه، وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَسْبِقَهُ عَلَى أَنَّهُمَا إذَا تفالجا أَعَادَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَبَقَهُ وَنِيَّتُهُمَا أَنْ يُعِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَالسَّبَقُ غَيْرُ فَاسِدٍ وَأَكْرَهَ لَهُمَا النِّيَّةُ إنَّمَا أَنْظُرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَى ظَاهِرِ الْعَقْدِ فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا أَجَزْته فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ نِيَّةٌ لَوْ شُرِطَتْ أَفْسَدَتْ الْعَقْدَ لَمْ أُفْسِدْهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْ النَّاسِ حَدِيثَ أَنْفُسِهِمْ وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ مَا قَالُوا وَمَا عَمِلُوا‏.‏

وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ عَلَى أَنْ لاَ يَرْمِيَ مَعَهُ إلَّا بِنَبْلٍ مَعْرُوفٍ أَوْ قَوْسٍ مَعْرُوفَةٍ فَلاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ السَّبَقُ مُطْلَقًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَوْسَ قَدْ تَنْكَسِرُ وَتَعْتَلُّ فَيَفْسُدُ عَنْهَا الرَّمْيُ فَإِنْ تَشَارَطَا عَلَى هَذَا فَالشَّرْطُ يُبْطِلُ السَّبَقَ بَيْنَهُمَا وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ النَّاشِبُ مَعَ صَاحِبِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ سَابَقَهُ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ رَمَى بِأَيِّ قَوْسٍ شَاءَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الصَّوَابَ عَنْ الْفَارِسِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْهُ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ قَوْسٍ اخْتَلَفَتْ‏.‏

وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ أَنْ لاَ نُجِيزَ أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ لاَ يَرْمِيَ إلَّا بِقَوْسٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَبْلٍ وَأَجَزْنَا ذَلِكَ فِي الْفَرَسِ إنْ سَابَقَهُ بِفَرَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي السَّبَقِ فِي الرَّمْيِ إنَّمَا هُوَ لِلرَّامِي وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ أَدَاةٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الرَّمْيَ بِمِثْلِ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ الَّذِي شَرَطَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا فَيُدْخِلَ عَلَيْهِ الضَّرَرَ بِمَنْعِ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهِ مِنْ أَدَاتِهِ الَّتِي تُصْلِحُ رَمْيَهُ وَالْفَرَسُ نَفْسُهُ هُوَ الْجَارِي الْمُسْبِقُ وَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يُبَدِّلَهُ صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا فَارِسُهُ أَدَاةٌ فَوْقَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُجَرِّيَهُ إلَّا إنْسَانٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَوْ أَجَزْنَا أَنْ يُرَاهِنَ رَجُلٌ رَجُلاً بِفَرَسٍ بِعَيْنِهِ فَيَأْتِيَ بِغَيْرِهِ أَجَزْنَا أَنْ يَسْبِقَ رَجُلٌ رَجُلاً ثُمَّ يُبَدِّلُ مَكَانَهُ رَجُلاً يُنَاضِلُهُ وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلاَ يُبَدِّلُهُ بِغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ عَنْ فَرَسٍ بِعَيْنِهِ فَلاَ يُبَدَّلُ غَيْرُهُ وَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَرْمِيَ بِأَيِّ نَبْلٍ أَوْ قَوْسٍ شَاءَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفِ الْقَوْسِ الَّتِي سَابَقَ عَلَيْهَا وَلاَ أَرَى أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبُ الْفَرَسِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى فَرَسِهِ مَنْ شَاءَ لِأَنَّ الْفَارِسَ كَالْأَدَاةِ لِلْفَرَسِ وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ كَالْأَدَاةِ لِلرَّامِي‏.‏

وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُتَنَاضَلاَنِ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلاَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لاَ يَأْكُلَ لَحْمًا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ السَّبَقِ وَلاَ أَنْ يَفْتَرِشَ فِرَاشًا‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ الْمُتَسَابِقَانِ بِالْفَرَسِ لاَ يَعْلِفُ حَتَّى يَفْرُغَ يَوْمًا وَلاَ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ وَالضَّرَرُ عَلَى الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ النِّضَالِ الْمُبَاحِ‏.‏

وَإِذَا نَهَى الرَّجُلُ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ لِغَيْرِ تَقَرُّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَوْمٍ كَانَ أَوْ يَشْرِطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ بِقُرَعٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ لِلْمُسْبِقِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا شَاءَ النَّاضِلُ أَوْ مَا شَاءَ الْمَنْضُولُ وَلاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَحِلُّ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ‏.‏

وَلَوْ سَبَقَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَرْمِيَ أَبَدًا أَوْ إلَى مُدَّةٍ مِنْ الْمَدَدِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْمُبَاحِ لَهُ‏.‏

وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ كَانَ ذَلِكَ الدِّينَارُ لَهُ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاعَ حِنْطَةٍ بَعْدَ شَهْرٍ كَانَ هَذَا سَبَقًا جَائِزًا إذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ مَالِ الْمَنْضُولِ وَلَكِنَّهُ لَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ أَعْطَاهُ الْمَنْضُولُ دِينَارَهُ وَأَعْطَى النَّاضِلُ الْمَنْضُولَ مُدَّ حِنْطَةٍ أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ عَلَى شَيْئَيْنِ شَيْءٌ يُخْرِجُهُ الْمَنْضُولُ جَائِزًا فِي السُّنَّةِ لِلنَّاضِلِ وَشَيْءُ يُخْرِجُهُ النَّاضِلُ فَيَفْسُدُ مَنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَتَرَاهَنَا عَلَى النِّضَالِ لاَ مُحَلِّلَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّرَاهُنَ مِنْ الْقِمَارِ وَلاَ يَصْلُحُ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُدَّ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلاَ سَبَقٍ فَيَفْسُدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ كَانَ عَلَيَّ لَك دِينَارٌ فَسَبَقْتَنِي دِينَارًا فَنَضَلْتُك فَإِنْ كَانَ دِينَارُك حَالًّا فَلَكَ أَنْ تُقَاصَّنِي وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَعَلَيْك أَنْ تُعْطِيَنِي الدِّينَارَ وَعَلَيَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَنْ أُعْطِيَك دِينَارَك وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا فَنَضَلَهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ حَلَّ فِي مَالِهِ بِحَقٍّ أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ رَجُلاً دِينَارًا إلَّا دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا إلَّا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ السَّبَقُ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ وَحِصَّةُ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ عَشْرٌ وَلَعَلَّ حِصَّتَهُ يَوْمَ سَبَقَهُ نِصْفُ عُشْرِهِ وَكَذَلِكَ الْمُدُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ أَسْبِقَك وَلاَ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْك وَلاَ أَنْ أَسْتَأْجِرَ مِنْك إلَى أَجَلٍ بِشَيْءٍ إلَّا شَيْئًا يُسْتَثْنَى مِنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ وَلاَ أَنْ أَسْبِقَك بِمُدِّ تَمْرٍ إلَّا رُبْعَ حِنْطَةٍ وَلاَ دِرْهَمَ إلَّا عَشَرَةُ أَفْلُسٍ وَلَكِنْ إنْ اسْتَثْنَيْت شَيْئًا مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي سَبَقْته فَلاَ بَأْسَ إذَا سَبَقْتُك دِينَارًا إلَّا سُدُسًا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك خَمْسَةَ أَسْدَاسِ دِينَارٍ وَإِنْ سَبَقْتُك صَاعًا إلَّا مُدًّا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك ثَلاَثَةَ أَمْدَادٍ فَعَلَى هَذَا الْباب كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ، قَالَ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ أَسْبِقَك دِينَارًا عَلَى أَنَّك إنْ نضلتنيه أَطْعَمْت بِهِ أَحَدًا بِعَيْنِهِ وَلاَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلاَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَك شَيْئًا بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ تَفْعَلَ هَذَا فِيهِ وَلاَ يَجُوزُ إذَا مَلَّكْتُك شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكُك فِيهِ تَامًّا تَفْعَلُ فِيهِ مَا شِئْت دُونِي‏.‏

وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلاَنِ مِنْ حَيْثُ يُرْسِلاَنِ وَهُمَا يَرْمِيَانِ فِي الْمِائَتَيْنِ يَعْنِي ذِرَاعًا فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الرَّمْيِ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ رَمَى فِي هَدَفٍ يُقَدَّمُ أَمَامَ الْهَدَفِ الَّذِي يَرْمِي مِنْ عِنْدِهِ ذِرَاعًا أَوْ أَكْثَرَ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا فِي الْأَصْلِ أَنْ يَرْمِيَا مِنْ مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا مِنْ مَوْضِعِ شَرْطِهِمَا‏.‏

وَإِنْ تَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا فِي شَيْئَيْنِ مَوْضُوعِينَ أَوْ شَيْئَيْنِ يَرَيَانِهِمَا أَوْ يَذْكُرَانِ سَيْرَهُمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَلِّقَ مَا تَشَارَطَا عَلَى أَنْ يَضَعَاهُ أَوْ يَضَعَ مَا تَشَارَطَا عَلَى أَنْ يُعَلِّقَاهُ أَوْ يُبَدَّلَ الشَّنُّ بِشَنٍّ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ عَلَى شَرْطِهِ‏.‏

وَإِذَا سَبَقَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْغَرَضَ فَأَكْرَهُ السَّبَقَ حَتَّى يَسْبِقَهُ عَلَى غَرَضٍ مَعْلُومٍ وَإِذَا سَبَقَهُ عَلَى غَرَضٍ مَعْلُومٍ كَرِهْت أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ دُونَهُ وَقَدْ أَجَازَ الرُّمَاةُ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْبِقَ وَيَخْفِضَهُ فَيَرْمِيَ مَعَهُ رَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الْخَمْسِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الثَّلاَثِمِائَةِ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا أَجَازَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ فِي الرُّقْعَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِائَةٍ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا أَجَازَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ الشَّنَّ وَجَعَلَ هَذَا كُلَّهُ إلَى الْمُسْبَقِ مَا لَمْ يَكُونَا تَشَارَطَا شَرْطًا، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ إذَا كَانَا رَمَيَا أَوَّلَ يَوْمٍ بِعَشَرَةٍ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ النَّبْلِ وَيُنْقِصَ مِنْهَا إذَا اسْتَوَيَا فِي حَالٍ أَبَدًا جَعَلُوا ذَلِكَ إلَيْهِ‏.‏

وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا أَرْشَاقًا مَعْلُومَةً كُلُّ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ وَلاَ يَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَفْرُغَا مِنْهَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ بِمَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَائِلٍ يَحُولُ دُونَ الرَّمْيِ وَالْمَطَرِ عُذْرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْسِدُ النَّبْلَ وَالْقِسِيَّ وَيَقْطَعُ الْأَوْتَارَ وَلاَ يَكُونُ الْحَرُّ عُذْرًا لِأَنَّ الْحَرَّ كَائِنٌ كَالشَّمْسِ وَلاَ الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَصْرِفُ النَّبْلَ بَعْضَ الصَّرْفِ وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ الرِّيحُ عَاصِفًا كَانَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الرَّمْيِ حَتَّى تَسْكُنَ أَوْ تَخِفَّ، وَإِنْ غَرَبَتْ لَهُمَا الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَا مِنْ أَرْشَاقِهِمَا الَّتِي تَشَارَطَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا فِي اللَّيْلِ‏.‏

وَإِنْ انْكَسَرَتْ قَوْسُ أَحَدِهِمَا أَوْ نَبْلُهُ أَبْدَلَ مَكَانَ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ وَالْوَتَرِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَدْلِ الْقَوْسِ وَلاَ الْوَتَرِ فَهَذَا عُذْرٌ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَهَبَتْ نَبْلُهُ كُلُّهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَدَلِهَا فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ نَبْلِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَدَلِهِ قِيلَ لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْت فَاتْرُكْهُ حَتَّى يَجِدَ الْبَدَلَ وَإِنْ شِئْت فَارْمِ مَعَهُ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ النَّبْلِ وَإِنْ شِئْت فَارْدُدْ عَلَيْهِ مِمَّا رَمَى بِهِ مِنْ نَبْلِهِ مَا يُعِيدُ الرَّمْيَ بِهِ حَتَّى يُكْمِلَ الْعَدَدَ وَإِذَا رَمَوْا اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ فَاعْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْ الْحِزْبَيْنِ عِلَّةً ظَاهِرَةً قِيلَ لِلْحِزْبِ الَّذِينَ يُنَاضِلُونَهُ‏:‏ إنْ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى أَنْ تُجْلِسُوا مَكَانَهُ رَجُلاً مَنْ كَانَ فَذَلِكَ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ لَمْ نُخْبِرْكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ الَّذِينَ لَمْ يَرْضَوْا‏.‏

وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلاَنِ فِي مَوْضِعِ شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَأَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ عَيْنَ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْبِقُ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ أَوْ الْمَطَرِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْبِقُ وَعَيْنُ الشَّمْسِ تَمْنَعُ الْبَصَرَ مِنْ السَّهْمِ كَمَا تَمْنَعُهُ الظُّلْمَةُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ الْمُسْبِقُ أَبَدًا هُوَ الَّذِي يَغْرَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِرْسَالِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُطَوِّلُ بِالْإِرْسَالِ الْتِمَاسَ أَنْ تَبْرُدَ يَدُ الرَّامِي أَوْ يَنْسَى صَنِيعَهُ فِي السَّهْمِ الَّذِي رَمَى بِهِ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فَيَلْزَمُ طَرِيقَ الصَّوَابِ وَيُسْتَعْتَبُ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ أَوْ قَالَ هُوَ لَمْ أَنْوِ هَذَا وَهَذَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّامِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَقِيلَ لَهُ ارْمِ كَمَا يَرْمِي النَّاسُ لاَ مُعَجِّلاً عَنْ أَنْ تَثْبُتَ فِي مَقَامِك وَفِي إرْسَالِك وَنَزْعِك وَلاَ مُبْطِئًا لِغَيْرِ هَذَا الْإِدْخَالِ الْحَبْسِ عَلَى صَاحِبِك وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الَّذِي يُوَطِّنُ لَهُ فَكَانَ يُرِيدُ الْحَبْسَ أَوْ قَالَ لاَ أُرِيدُهُ وَالْمُوَطِّنُ يُطِيلُ الْكَلاَمَ قِيلَ لِلْمَوَاطِنِ وَطِّنْ لَهُ بِأَقَلِّ مَا يَفْهَمُ بِهِ وَلاَ تَعْجَلْ عَنْ أَقَلِّ مَا يَفْهَمُ بِهِ، وَلَوْ حَضَرَهُمَا مَنْ يَحْبِسُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ يَغْلَطُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ الْمُوَطِّنُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْهَدَفِ فَإِذَا رَمَى الرَّامِي قَالَ دُونَ ذَا قَلِيلٌ أَرْفَعُ مِنْ ذَا قَلِيلٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّامِيَانِ فِي الْمَوْقِفِ فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنْ يَبْدَأَ فَبَدَأَ مِنْ عَرْضٍ وَقَفَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمُقَامِ ثُمَّ كَانَ لِلْآخَرِ مِنْ الْعَرْضِ الْآخَرِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمُقَامِ وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ سَبَقًا مَعْلُومًا فَنَضَلَهُ الْمُسْبِقُ كَانَ السَّبَقُ فِي ذِمَّةِ الْمَنْضُولِ حَالًّا يَأْخُذُهُ بِهِ كَمَا يَأْخُذُ بِالدَّيْنِ فَإِنْ أَرَادَ النَّاضِلُ أَنْ يُسَلِّفَهُ الْمَنْضُولُ أَوْ يَشْتَرِيَ بِهِ النَّاضِلُ مَا شَاءَ فَلاَ بَأْسَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِإِطْعَامِهِ إيَّاهُ وَمَا نَضَلَهُ فَلَهُ أَنْ يُحْرِزَهُ ويتموله وَيَمْنَعَهُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ عِنْدِي كَرَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ فَأَسْلَفَهُ الدِّينَارَ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ أَطْعَمَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ كَمَا هُوَ وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ رَأَيْته مِمَّنْ يُبْصِرُ الرَّمْيَ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِعَشْرٍ وَيَجْعَلَ الْقُرَعَ مِنْ تِسْعٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرَعُ مِنْ عَشْرٍ وَلاَ يُجِيزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقُرَعُ لاَ يُؤْتِي بِهِ بِحَالٍ إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ رَشْقٍ فَإِذَا كَانَ لاَ يُؤْتِي بِهِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ الرَّشْقِ فَسَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ جَائِزٌ‏.‏

فَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ بِالسَّهْمِ فَخَسَقَ وَثَبَتَ قَلِيلاً ثُمَّ سَقَطَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَ بِهِ حُسِبَ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى أَنْ يَفْلُجَ فَرَمَى بِسَهْمٍ فَقَالَ إنْ أَصَبْت فَقَدْ فَلَجْت وَإِنْ لَمْ أُصِبْ فَالْفَلْجُ لَكُمْ وَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ فَلَكَ بِهِ الْفُلُوجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغْهُ بِهِ إذَا أَصَابَهُ وَإِنْ أَخْطَأْت بِهِ فَقَدْ أَنَضَلْتَنِي نَفْسَك فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ رَمْيِهِمَا لاَ يَفْلُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْفُلُوجَ وَلَوْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُسْبَقِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ السَّبَقَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَهُ كَانَ هَذَا شَيْئًا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ كَمَا وَهَبَ لَهُ‏.‏

وَإِذَا كَانُوا فِي السَّبَقِ اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ فَبَدَأَ رَجُلاَنِ فَانْقَطَعَ أَوْتَارُهُمَا أَوْ وَتَرُ أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقِفَ مَنْ بَقِيَ حَتَّى يُرَكِّبَ وَتَرًا وَيُنْفِدَ نَبْلَهُ‏.‏

وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَقُولُ هَذَا إذَا رَجَا أَنْ يتفالجا وَيَقُولُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمَا وَالْحَرْبُ كُلُّهُ لاَ يتفالجون لَوْ أَصَابُوا بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَارِبُوا عَدَدَ الْغَايَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ يَرْمِي مَنْ بَقِيَ ثُمَّ يُتِمُّ هَذَانِ‏.‏

وَإِذَا اقْتَسَمُوا ثَلاَثَةً وَثَلاَثَةً فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَلْيَقْتَسِمُوا قِسْمًا مَعْرُوفًا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَخْتَار عَلَى أَنْ أَسْبِقَ وَلاَ يَخْتَارُ عَلَى أَنْ يَسْبِقَ وَلاَ أَنْ يَقْتَرِعَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَا قَسْمًا مَعْرُوفًا وَيَسْبِقُ أَيُّهَا شَاءَ مُتَطَوِّعًا لاَ مُخَاطَرَةً بِالْقُرْعَةِ وَلاَ بِغَيْرِهَا مِنْ أَنْ يَقُولَ أَرْمِي أَنَا وَأَنْتَ هَذَا الْوَجْهُ فَأَيُّنَا أَفْضَلَ عَلَى صَاحِبِهِ سَبَقَهُ الْمَفْضُولُ وَالسَّبَقُ عَلَى مَنْ بَذَلَهُ دُونَ حِزْبِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ حِزْبُهُ أَنْفُسَهُمْ مَعَهُ فِي ضَمَانِ السَّبَقِ أَوْ يَأْمُرُوهُ أَنْ يَسْبِقَ عَنْهُمْ فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ الرِّجَالِ لاَ عَلَى قَدْرِ جَوْدَةِ الرَّمْيِ‏.‏

وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ فَهَذَا جَائِزٌ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَجْهِ النِّضَالِ، فَإِنْ قَالَ إنْ أَخْطَأْت بِهَذَا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ‏.‏

وَإِنْ حَضَرَ الْغَرِيبُ أَهْلُ الْغَرَضِ فَقَسَمُوهُ فَقَالَ مَنْ مَعَهُ كُنَّا نَرَاهُ رَامِيًا، وَلَسْنَا نَرَاهُ رَامِيًا أَوْ قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ يَرْمِي عَلَيْهِمْ كُنَّا نَرَاهُ غَيْرَ رَامٍ وَهُوَ الْآنَ رَامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَّا مَا لَهُمْ مِنْ إخْرَاجِ مَنْ عَرَفُوا رَمْيَهُ مِمَّنْ قَسَمُوهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ بِالرَّمْيِ فَسَقَطَ أَوْ بِغَيْرِ الرَّمْيِ فَوَافَقَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ سَبَقَ فُلاَنًا دِينَارَيْنِ عَلَى أَنِّي شَرِيكٌ فِي الدِّينَارَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَهَبَ لَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا بَعْدَ مَا يَنْضُلُ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ تَطَارَدَ ثَلاَثَةٌ فَأَخْرَجَ اثْنَانِ سَبَقَيْنِ وَأَدْخَلاَ مُحَلِّلاً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ رَجُلاً لاَ يَرْمِي عَلَيْهِ نِصْفَ سَبَقِ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْفَضْلِ إنْ أَحْرَزَ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ عَلَيْهِ رِشْقَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَا إذَا أَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ أَعْطَيْنَاهُ فَضْلَ سَهْمٍ أَوْ أَكْثَرَ أَلاَ تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ رَمَيَا بِعَشْرٍ ثُمَّ ابْتَدَأَ الَّذِي بَدَأَ كَانَ لَوْ فَلَجَ بِذَلِكَ السَّهْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ كُنَّا أَعْطَيْنَاهُ أَنْ يَرْمِيَ بِسَهْمٍ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَضْلاً عَلَى مُرَاسِلِهِ عَنْ غَيْرِ مُرَاسَلَةٍ وَإِنَّمَا نُجِيزُ هَذَا لَهُ إذَا تَكَافَأَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَبْدَأُ فِي وَجْهٍ وَالْآخَرُ فِي آخَرَ‏.‏

وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَجَائِزٌ أَنْ يُعْطِيَهُ السَّبَقَ مَوْضُوعًا عَلَى يَدَيْهِ أَوْ رَهْنًا بِهِ أَوْ حَمِيلاً أَوْ رَهْنًا وَحَمِيلاً أَوْ يَأْمَنَهُ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِذَا رَمَيَا إلَى خَمْسِينَ مُبَادَرَةً فَأَفْضَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ خَمْسًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَقَالَ الَّذِي أَفْضَلَ عَلَيْهِ اطْرَحْ فَضْلَك عَلَى أَنْ أُعْطِيَك بِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ وَلاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُتَفَاسَخَا هَذَا السَّبَقَ بِرِضَاهُمَا وَيَتَسَابَقَانِ سَبَقًا آخَرَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فِي الصَّلاَةِ فِي الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعِ إذَا كَانَ جِلْدُهُمَا ذَكِيًّا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مَدْبُوغًا مِنْ جِلْدِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا عَدَا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَظْهَرُ بِالدَّبَّاغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَإِنْ صَلَّى الرَّجُلُ وَالضَّرْبَةُ وَالْأَصَابِعُ عَلَيْهِ فَصَلاَتُهُ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ إنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعُ مَنَعَتَاهُ أَنْ يَقْضِيَ بِجَمِيعِ بُطُونِ كَفِيهِ لاَ مَعْنَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَنَكِّبًا الْقَوْسَ وَالْقَرْنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتَحَرَّكَانِ عَلَيْهِ حَرَكَةً تَشْغَلُهُ فَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ صَلَّى أَجْزَأَهُ،‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ، وَيَخْتَارُ الْمُسْبِقُ ثَلاَثَةً وَلاَ يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبَقِ وَلاَ الْمُسْبِقُ ثَلاَثَةً وَلاَ يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبِقِ قَالَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ السَّبَقُ حَتَّى يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَنَاضَلِينَ مَنْ يَرْمِي مَعَهُ وَعَلَيْهِ بِأَنْ يَكُون حَاضِرًا يَرَاهُ أَوْ غَائِبًا يَعْرِفُهُ‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ الْمُتَنَاضِلُونَ ثَلاَثَةً وَثَلاَثَةً أَوْ أَكْثَرَ كَانَ لِمَنْ لَهُ الْإِرْسَالُ وَحِزْبُهُ وَلِمُنَاضِلِيهِمْ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّهُمْ شَاءُوا كَمَا شَاءُوا وَيُقَدِّمُ الْآخَرُونَ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَقَدُوا السَّبَقَ عَلَى أَنَّ فُلاَنًا يَكُونُ مُقَدَّمًا وَفُلاَنٌ مَعَهُ وَفُلاَنٌ ثَانٍ وَفُلاَنٌ مَعَهُ كَانَ السَّبَقُ مَفْسُوخًا وَلاَ يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْقَوْمُ يُقَدِّمُونَ مَنْ رَأَوْا تَقْدِيمَهُ، وَإِذَا كَانَ الْبَدْءُ لِأَحَدٍ الْمُتَنَاضِلِينَ فَبَدَأَ الْمُبْدَأُ عَلَيْهِ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ رُدَّ ذَلِكَ السَّهْمُ خَاصَّةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا حَتَّى يَفْرُغَا مِنْ رَمْيِهِمَا رُدَّ عَلَيْهِ السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَرَمَى بِهِ فَإِنْ كَانَ أَصَابَ بِهِ بَطَلَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ أَخْطَأَ بِهِ رَمَى بِهِ فَإِنْ أَصَابَ بِهِ حُسِبَ لَهُ لِأَنَّهُ رَمَى بِهِ فِي الْبَدْءِ وَلَيْسَ لَهُ الرَّمْيُ بِهِ فَلاَ يَنْفَعُهُ مُصِيبًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ‏.‏